هبوط الدولار يهز الاقتصاد الاسرائيلي
قرار عميد بنك اسرائيل خفض الفائدة بنسبة ٠.٥% كان خطوة مفاجئة هدفها تطويق تأثيرات الازمة العالمية على اسرائيل. جاء هذا القرار على خلفية هبوط سعر صرف الدولار الى اقل من ٣.٦٠ تشيكل وتهديدات الصناعيين بفصل عشرات آلاف العمال. رئيس الهستدروت "تطوع" للدفاع عن الصناعيين وركز على موضوع الفائدة، بدل بناء ادوات لضمان حق العمال في حال وقوع الازمة القادمة لا محالة.
تعرض الاقتصاد الاسرائيلي الى هزة على ضوء هبوط سعر صرف الدولار في الايام الاخيرة الى ما تحت ٣.٦٠ شيكل، والارتفاع الملحوظ في قيمة الشيكل امام العملات الاخرى مثل اليورو والسترلينغ. ويخشى اتحاد الصناعيين من ان يؤدي الشيكل القوي الى غلاء البضائع الاسرائيلية المصدَّرة للاسواق الاوروبية والامريكية، مما قد يقلل الطلب عليها ويقود لخسائر مادية ملموسة.
يذكر ان هبوط الدولار نابع من ازمة حقيقية يشهدها الاقتصاد الامريكي، بسبب ازمة سوق الرهن العقاري الثانوي (sub-prime)، بالاضافة للعجز الكبير في الميزانية وفي الميزان التجاري مع دول العالم. وقد اثرت الازمة في امريكا على بورصات العالم وسببت خسائر فادحة بلغت سبعة تريليون دولار خلال ايام معدودة. ومع ان السياسة الاقتصادية التي اتبعتها اسرائيل، خاصة منذ عهد نتانياهو، شهدت تقليصات حادة في الميزانية والتزمت حرفيا باملاءات مؤسسات المال العالمية مما خلق فائضا كبيرا، الا ان القلق يسود الاوساط الاسرائيلية من احتمال انتقال عدوى الازمة الى اقتصادها ايضا.
يدعي اتحاد الصناعيين انه على وشك كارثة اقتصادية بسبب هبوط الدولار، ويشير تقرير له الى ان قدرة المصدِّر الاسرائيلي على المنافسة كانت الاكثر تضررا من البلدان الاخرى، رغم ان التصدير للولايات المتحدة يشكل ٣٣% فقط من مجمل التصدير الاسرائيلي للبضائع. ويعود السبب الى ان ٧٥% من البضائع التي تصدرها اسرائيل محددة بسعر الدولار، حتى عندما يكون الهدف بلدان ذات عملة مختلفة مثل جنوب شرق آسيا وشرق اوروبا.
رئيس اتحاد الصناعيين، شراغا بروش، قال في مؤتمر للصناعيين بتاريخ ٣/٢ ان "بقاء سعر الدولار على حاله قد يسبب كارثة للاقتصاد الاسرائيلي، علما ان التصدير ساهم بنسبة ٤٠% من النمو الاقتصادي في السنوات الاربع الناجحة الاخيرة. وسيؤدي استمرار الوضع الحالي الى خسارة ٤.٥ مليار دولار من صادرات عام ٢٠٠٨، مما سيدفع الصناعيين الى فصل ٣٥ الف عامل". (موقع NFC، ٣/٢)
اشارة رئيس الصناعيين للخسائر وفصل العمال، جاء على خلفية الاعتقاد بان سعر صرف الدولار المنخفض مقابل الشيكل القوي سيؤدي لارتفاع ملموس في تكلفة القوة العاملة المحلية التي تتقاضى اجرها بالشيكل، الامر الذي سيزيد اسعار البضائع المصنوعة محليا، ويجعلها اقل ربحيةً من البضائع المستوردة. على هذه الخلفية طالب الصناعيون الحكومة بتعويضهم عن الخسائر. كما حاولوا بالتعاون مع الهستدروت، الضغط على بنك اسرائيل للتدخل في سوق العملات الاجنبية وخفض الفائدة وبالتالي خفض قيمة الشيكل.
بنك اسرائيل يخفض الفائدة
لتطويق الازمة وخاصة لمنع التأثيرات السلبية لحالة الركود الامريكية على اسرائيل، قرر عميد بنك اسرائيل يوم الاثنين ٢٥/٢ تخفيض نسبة الفائدة ب-٠.٥% الى ٣.٧٥%. القرار المفاجئ ليس له مبرر خاص بمعطيات الاقتصاد الاسرائيلي الحالية التي تشير الى نسبة نمو جيدة (في الربع الاخير من عام ٢٠٠٧ بلغت نسبة النمو ٦.٤%)، بل لها علاقة بالخوف الكبير من وضع الاقتصاد الامريكي وانعكاساته.
كل العلامات تدل على ان الركود في امريكا، وفي العالم كله، بات على الابواب، واكبر برهان على ذلك الخطوات المستعجلة التي قام بها عميد البنك الامريكي، بن برنانكي، في شهر كانون ثان الماضي عندما خفض الفائدة في الولايات المتحدة مرتين من ٤.٢٥% الى ٣%. عميد بنك اسرائيل فيشر تصرف كما يبدو على اساس الافتراض بان الازمة العالمية ستؤثر على اسرائيل ايضا، لذا سعى الى تقليل الاضرار.
من وجهة النظر الاقتصادية الصرفة يعتبر خفض الفائدة احد الادوات الاقتصادية الاساسية التي يتم اتباعها عادة لمنع ارتفاع قيمة العملة. ولكن في بداية الازمة رفض فيشر والحكومة التدخل في الفائدة وسوق العملات، والسؤال لماذا؟
يتضح ان هناك من يربح من الفائدة المرتفعة في اسرائيل. المستثمرون الكبار يقترضون المال من امريكا مقابل نسبة ٣%، ثم يستثمرونها في اسرائيل مقابل ٤.٢٥% ويربحون من الفارق بين النسبتين. خفض الفائدة يعني تراجع حركة الاستثمار الاجنبي، وهذا ما لا يريده فيشر.
ويشير معلقون اقتصاديون ان ما يجذب الاموال الهائلة لاسرائيل، ويزيد من قيمة الشيكل ليس متانة الاقتصاد بل اعتقاد المستثمرين بانهم سيربحون من الفائدة المرتفعة على الشيكل. تقرير دافيد آرتسي، مدير معهد التصدير الاسرائيلي، المقدم للجنة الكنيست يشير الى ان ٧١% من التجارة في العملات الاجنبية في اسرائيل تهدف الى كسب الارباح على المدى القصير وهي تتم من خلال "صناديق التحوط"، التي تعتبر اموال غير انتاجية ومتنقلة.
وقد اكد مدير المعهد آرتسي وجود "ظاهرتين جديدتين خطيرتين في سوق العملات الاجنبية في اسرائيل: زيادة حجم الدور الذي تلعبه عناصر اجنبية، وزيادة حجم النشاط الذي يمكننا ان نسميه مضاربة في السوق. ثقل الاجانب ارتفع من نسبة ٤٢% في عام ٢٠٠٣ الى ٦٢% في عام ٢٠٠٧. بشكل مواز، ارتفع حجم الصفقات التي لها صفة المضاربة. التقدير الذي اجراه معهد التصدير في صفوف مدراء غرف الصفقات في البنوك المحلية والاجنبية في اسرائيل أظهر ان هذه البنوك تقدر ان نسبة المضاربة من مجمل التجارة بالعملات تصل الى ٧١%".
يتضح اذن ان النمو الاقتصادي في اسرائيل مبني في الواقع على اسس هشة، اذ تدل التجربة على ان "صناديق التحوط" هذه تميل للانتقال السريع من مكان لمكان حسب فرص كسب الارباح السريعة. المضاربة التي تلاعبت بها هذه الصناديق، هي التي تقف وراء ازمة الاقتصاد الاخيرة في امريكا وخاصة في مجال الرهن العقاري الثانوي. وهي ازمة تهدد بجر العالم كله لحالة من عدم الاستقرار.
الهستدروت مع الصناعيين
اذا كان موقف الصناعيين مفهوما نظرا لمصالحهم الاقتصادية فيبقى غريبا رئيس الهستدروت، الذي اتخذ موقفا متضامنا مع رئيس اتحاد الصناعيين شراغا بروش، خالقا الانطباع بوجود مصلحة مشتركة بين العمال والصناعيين. وكان عيني قد صرّح في مؤتمر الصناعيين (٣/٢) بانه ينوي اعلان الاضراب العام اذا ما تقاعست الحكومة عن التدخل لانقاذ الصناعات التي تخسر جراء انخفاض سعر صرف الدولار. في هذا السياق بادر رئيسا اتحاد الصناعيين والهستدروت الى مشروع قانون للحد من صلاحية عميد بنك اسرائيل، ووضعه تحت رقابة الجمهور واعضاء الكنيست. الا ان هذه المبادرة باءت بالفشل. ففي اجتماع طارئ عقده رئيس الوزراء، ايهود اولمرت، في ٦/٢ بحضور وزيري المالية والعمل، روني بار-اون وايلي يشاي، وعميد البنك فيشر، تم الاتفاق على استحالة المس في صلاحيات بنك اسرائيل. نهاية المبادرة المشتركة للهستدروت والصناعيين كانت بعد ذلك بمكالمة هاتفية بين عيني وفيشر، قدم فيها عيني الاعتذار عن موقفه ووعد "المدير العام لاسرائيل" فيشر بانه لن يقوم بتجنيد دعم اعضاء الكنيست للحد من صلاحيات البنك المركزي.
موقف رئيس الهستدروت بعيد كل البعد عما هو مطلوب من زعيم لنقابة عمالية. فمن المعروف ان الصناعيين الاسرائيليين حققوا ارباحا طائلة في السنوات الخمس الاخيرة، جراء سعر صرف الدولار واليورو المرتفعين ونسبة النمو العالية. وخلال هذه الفترة لم يطرح عوفر عيني ابدا الطلب لمشاركة العمال في ارباح الصناعيين، علما ان اجر العمال في الصناعة الاسرائيلية هو في الواقع الحد الادنى للاجور.
ازاء الازمة الكونية التي تعصف بكل اسواق العالم وتهدد مصير البشرية بسبب مقامرة رأس المال باموال الناس ومصائرهم، يفضل رئيس الهستدروت ان يصطف في خندق الصناعيين الاسرائيليين. بدل الدخول في متاهة الفائدة البنكية العبثية كان من واجب رئيس الهستدروت، لو كان زعيما عماليا فعلا، ان يشير للمشكلة الحقيقية وهي طبيعة النمو الاقتصادي المشوّه الذي تشهده اسرائيل اليوم والنتائج الوخيمة التي ستترتب عليه.
الطبقة العاملة التي هي ضحية رأس المال المقامر يجب ان تفرز من صفوفها قيادة اكثر مسؤولية من القيادة الحالية للهستدروت، وتقديم طرح اكثر واقعية من طرح عوفر عيني الذي اصبح ذيلا للصناعيين عديم الهوية المستقلة. هناك نظام عالمي يهدد باستقرار مكان العمل ولقمة العيش ليس فقط للمهمشين في افريقيا وغزة والقاهرة بل ايضا في نيويورك وتل ابيب، وهذا يتطلب من النقابات والاحزاب العمالية موقفا جديدا وحازما.
اضف تعليقًا
ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.