تاريخ النشر ٢٧/٠٢/٢٠٠٨

شؤون محلية

الجبهة تتطوع لانقاذ اولمرت

اسماء اغبارية-زحالقة

كل هم الجبهة هو السعي للبقاء في ائتلافاتها والحفاظ على نصيبها من الكعكة السياسية، ولكن الجمهور العربي الذي تمثله لا يحظى من هذه الكعكة بشيء، بل تواصل الحكومة التمييز العنصري ضده حتى بلغت فيه نسبة الفقر ٥٧%. كل ما تقدمه الجبهة لهذا الجمهور هو الخطابات الرنانة المتطرفة ضد الحكومة وسياساتها.

في الاسابيع الاخيرة، تعرض ائتلاف رئيس الوزراء الاسرائيلي، ايهود اولمرت، لعدة هزات كان اهمها تقرير فينوغراد حول حرب لبنان الثانية. لكن هذا الثعلب المحنك، يعرف كيف ينجو في كل مرة. وقد تستغربون، او لا تستغربون، اذا علمتم ان بعض النواب العرب، وتحديدا الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، تطوعوا لدعم ائتلاف اولمرت ومنحه شبكة امان مجانية.

نفس القيادات التي تظاهرت في شوارع تل ابيب ضد حرب لبنان، وخطبت ولا تزال ضد التحالف الاسرا-امريكي ودعما للمقاومة في فلسطين وحزب الله وايران وسورية، نفس الذين يكدّون على جمع ربع مليون توقيع ضد قرار الحكومة اغلاق ملف قتل شباب الانتفاضة ال١٣، نفسهم الذي ينقذون اولمرت مرة بعد مرة.

في ٤/٢/٢٠٠٨ القى اولمرت خطابا في الكنيست تتطرق فيه لنتائج تقرير فينوغراد حول حرب لبنان. في جلسة اخرى عقدت في نفس اليوم ناقشت الكنيست قرار المستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز، بشأن اغلاق ملف اكتوبر. قضيتا الحرب والانتفاضة منحا الجبهة سببين، على الاقل، للخروج بقوة ضد اولمرت، لتلقينه درسا على استهتاره بارواح شهداء انتفاضة اكتوبر وحرب لبنان، هذا علاوة على الاستهتار الازلي بحقوق المواطنين العرب. ولكنها لم تفعل.

شبكة امان لاولمرت

في الخطاب المذكور اكد رئيس الوزراء انه يتحمل المسؤولية العليا عن مواضع الفشل في حرب لبنان. ولكنه اهتم ايضا بتذكير جميع النواب (باستثناء العرب) الذين يعارضونه اليوم، انهم جميعا دعموا الحرب بحماسة بل تنافسوا في تقديم الدعم له حينها. عندما حان موعد التصويت على الخطاب، تغيب النائبان العربيان محمد بركة وحنا سويد عن التصويت، وساهما بذلك في إقرار خطاب اولمرت باغلبية ٥٩ مؤيدا مقابل ٥٣ معارضا وممتنع واحد، مما منح الحكومة مزيدا من الاكسجين للحياة.

يذكر ان النائب الثالث في الجبهة، دوف حنين، صوّت ضد الخطاب، وضم صوته بذلك الى نواب من حزب ميرتس وبعض النواب في حزب العمل، الذين طالبوا اولمرت بتحمل مسؤولية الفشل والاستقالة، وليس لانه قتل ودمر جنوب لبنان. حنين يتصرف كما لو كان خارج كتلة "الاحزاب العربية"، واعتباراته محكومة بما يحدث في المجتمع الاسرائيلي الليبرالي، خاصة منذ الانقسام غير المعلن داخل الحزب الشيوعي في مؤتمره الاخير. هذا ما يجعله يغض الطرف عن كون حلفائه الجدد هم من الداعمين للحرب.

نعود الى الموقف الحقيقي للجبهة وهو الذي يعبر عنه النواب العرب. هناك من يرى ان السبب في دعمهم غير المباشر لاولمرت، هو الخوف من سقوط الحكومة وعودة بنيامين نتانياهو، زعيم الليكود، الى الحكم. وهذا بالنسبة للجبهة خط احمر، وهي مستعدة لدعم اهون الشرين خشية صعود اليمين وعودة "البعبع بيبي" بكل ثمن. حتى لو كان الثمن دعم اولمرت، وريث شارون، الذي كان في الماضي ابو الشرور جمعيها وجنرال الترانسفير، على حد وصف الجبهة.

واذا افترضنا جدلا ان منع صعود نتانياهو للحكم هو اعتبار مشروع للتصويت مع اولمرت، الا ان هذا لم يكن الوضع في هذه المرة بالذات. فقد تغيب رئيس كتلة الجبهة، محمد بركة، عن التصويت بعد ان تأكد ان لاولمرت الاغلبية الكافية لإقرار الخطاب، وانه لا خطر حقيقي من سقوطه. بمعنى حتى لو تواجد وصوّت ضد الخطاب لم يكن اولمرت ليسقط. كان في هذا التصرف اعلان من الجبهة لاولمرت عن حسن نواياها وعن خط مفتوح للاخذ والعطاء معه، وانها مستعدة لتقديم شبكة امان لائتلافه، سواء كان هناك خطر حقيقي عليه او لم يكن.

لو صوتت الجبهة كما هو متوقع منها ضد الخطاب، ربما لاجبرت النواب الليبراليين من ميرتس والعمل على كشف حقيقة مواقفهم والتصويت مع اولمرت لانقاذه، ولكن لا. فضلت الجبهة ان تعطي هؤلاء النواب امكانية التلاعب والنفاق، والبروز بموقف "انساني"، بدل فضح تصويتهم في حينه مع الحرب.

دعم سابق ولاحق

ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي يقدم فيها النواب العرب، من الجبهة والقائمة العربية الموحدة، دعمهم لاولمرت في ازماته الائتلافية. فقد دعموه ايضا في مشروع قرار اعادة إحياء وزارة الاديان الشهر الماضي، والذي كان كل هدفه ارضاء حزب شاس واقناعه بالبقاء في الائتلاف. في هذه المرة خرج بعض النواب العرب من القاعة بالذات في وقت التصويت، بعضهم للمرحاض، بعضهم للرد على مكالمات هامة جدا كما يبدو، واربعة ممن بقوا في القاعة صوّتوا مباشرة دعما للقرار.

نشرت هذه المعلومات في مقال مراسلة صحيفة "غلوبس" الاقتصادية (١٠-١١ شباط) ليلاخ فايسمان، في مقال بعنوان "العرب وقت الضيق". حسب المقال قام رئيس الائتلاف، ايلي افلالو، بزيارة النائب الجبهاوي حنا سويد في بيته لتقديم العزاء بوفاة والدته. جاء هذا قبل ايام معدودة من التصويت في لجنة المراقبة بالكنيست التي تناقش اقتراح تشكيل لجنة تحقيق رسمية في موضوع حرب لبنان، وعدم الاكتفاء بلجنة فينوغراد الحكومية التي عيّنها اولمرت. ولا نعرف مصير التصويت، ولكن واضح ان هناك اخذ وعطاء بين الحكومة وبين نواب الجبهة.

غزل متجدد

ماذا يجب ان يفهم اولمرت من نمط التصويت الجديد هذا؟ امر بسيط جدا، انه بالاضافة الى الاحزاب المشاركة بشكل فعلي في الائتلاف، لديه شبكة امان اضافية، غير ملزِمة، مستعدة لدعمه مجانا، الامر الذي يمنحه هامشا اكبر للمناورة والتحرك السياسي. خطوة بركة فيها رسالة ايضا الى حزب شاس الذي يهدد صبح مساء بترك الائتلاف بحجة رفضه التفاوض على القدس.

الغزل بين بركة واولمرت تجدد في الاشهر الاخيرة، كما يبدو من شاشات التلفزيون، خاصة منذ الازمة مع زعيم التجمع المستقيل، عزمي بشارة. حينها اكد اولمرت في خطاب بالكنيست ان ما حدث مع بشارة محصور في شخصه ولن يتم اخذ الباقين بجريرته، مطمئنا بذلك الزعامة العربية المحلية. بعد خطابه توجه اولمرت لبركة مطمئنا اياه بألا داعي للقلق.

اولمرت رجل سياسي، ليس كرئيس الوزراء السابق، ايهود براك، الذي عادى العرب بغبائه وخلق لنفسه اعداء مع انه وصل الحكم بفضل تصويتهم الجارف له عام ١٩٩٩. كل ما يهم اولمرت هو حماية ائتلافه، ولاجل هذا الغرض فهو يتوجه للجميع، للعرب واليهود، لليمين واليسار. ويبدو التعامل مع الجبهة مريحا لرئيس الوزراء، فهذا الحزب كان تاريخيا في الكتلة المانعة في الكنيست التي دعمت حكومة رابين منذ عام ١٩٩٢، وبركة هو شخصية ليبرالية براغماتية نشأت على الثقافة الاسرائيلية، وهو بالنسبة لاولمرت ممثل عن الجماهير العربية وحلقة الوصل معها.

كما ان هناك امرا اضافيا يجمع بركة باولمرت وهو دعم ابو مازن. ولا شك ان تصرف الجبهة يتم بوحي من العلاقة الحميمة بين الجبهة وابو مازن. فآخر ما يحتاجه ابو مازن الآن هو سقوط ائتلاف اولمرت وانتخابات مبكرة في اسرائيل تؤجل المفاوضات، العالقة اصلا.

كتلة مانعة ام معارضة؟

لقد شكلت الجبهة الكتلة المانعة في مطلع التسعينات، بحجة دعم العملية السلمية، وكان هذا حينها موقفا سياسيا خاطئا، ولكنه على الاقل كان موقفا واضحا دافعت عنه الجبهة ولا تزال، قولا وممارسة. بعد انتفاضة اكتوبر عام ٢٠٠٠، وقع الطلاق الرسمي بين الدولة والاحزاب العربية، وراحت الاحزاب تخطب كمعارضة ارضاء لمزاج الجماهير المستاءة من سياسة الحكومة ضدها، ولكنها تصوّت كما لو كانت كتلة مانعة وتواصل ائتلافاتها الرسمية، بهذا خُلقت فجوة سحيقة بين الخطاب والممارسة السياسية.

الجبهة ملتزمة في ائتلافات وعلاقات اخذ وعطاء مع المؤسسة الاسرائيلية. بطريقة تصويتها تكون قد حافظت على ائتلافاتها مع حزب العمل سواء في الهستدروت او في بعض البلديات، حيث وصل بها الامر درجة التحالف مع حزب كاديما في بلدية حيفا. كل هم هذا الحزب هو البقاء في ائتلافاته والحفاظ على نصيبه من الكعكة السياسية ونوع من التأثير السياسي، والحصول على بعض المناصب. ولا يفوتنا ان نذكر ايضا "وعد" كديما للاحزاب العربية مؤخرا ببناء مدينة عربية.

ولكن هناك مشكلة "صغيرة"، وهي ان الجمهور العربي الذي تمثله الجبهة لا يحظى من الكعكة السياسية بشيء، بل تواصل الحكومة التمييز العنصري ضده والاستهتار بحقوقه، حتى تعمق الفقر فيه ليصل الى ٥٧%. ولكن كل ما تقدمه الجبهة لهذا الجمهور هو الخطابات الرنانة المتطرفة ضد الحكومة وسياساتها.

ان هذه السياسة تضرب مصداقية الجبهة، وتفرغ تحركات المعارضة التي تقوم بها من اي مضمون. لقد انتقلت الجبهة من المرحلة الانتهازية الى مرحلة النفاق. ليس مجرد "يقولون ما لا يفعلون" بل انكى من ذلك، انهم "يفعلون عكس ما يقولون".

ان هذه السياسة المزدوجة مدمِّرة ومضلِّلة وتضرب الجماهير العربية مرتين: اولا عندما تلجأ للخطاب المتطرف فتعزل العرب عن الجمهور الاسرائيلي، وتمنح المؤسسة الحاكمة مبررات لمواصلة التمييز العنصري؛ ثانيا، عندما تدعم ائتلافا حكوميا لا يلبي حاجات المواطنين العرب، وتخلق بذلك الانطباع ان لهؤلاء المواطنين ليست هناك قيادة ولا اجندة ولا حتى مطالب من هذا الائتلاف، الامر الذي يعفي الحكومة من اقامة اي وزن لهذا الجمهور او أخذه بالحسبان. بسياستها هذه تتحمل الجبهة مسؤولية كبيرة عن دفع الجماهير العربية الى مزيد من اليأس واللامبالاة ومزيد من المعاناة.

اضف تعليقًا

ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.

الاسم

البريد الالكتروني

العنوان

موضوع التعقيب

تعليقك على الموضوع

Home نسخة للطباعة