كلمات للبحث

ايران


العدد ٢١١, تشرين اول ٢٠٠٧

شؤون دولية

امريكا تسعى لتغيير النظام في ايران

سامية ناصر خطيب

تصعيد غير مسبوق في العقوبات الامريكية الجديدة على ايران، هدفها عزل نظام احمدي نجاد. امريكا غير معنية بفتح جبهة حرب جديدة، وهي تحتاج الى ايران لحكم العراق، وتهدف من خلال عقوباتها الى تطويع ايران الى مصالحها، وهو امر غير وارد في الظروف الراهنة.

لم تغب ايران عن الخطاب الرسمي الامريكي منذ تولي بوش لولايته الثانية، لكن العقوبات الامريكية الجديدة تعتبر تصعيدا غير مسبوق. الحملة التي يقودها الرئيس الامريكي، جورج بوش، ضد ايران بدعم من الدول العربية، والتي وصلت لدرجة التهديد بحرب عالمية ثالثة، تذكّر بالاجواء التي سادت قبل حرب العراق.

كما يبدو التاريخ مصرّ ان يعيد نفسه، فبعد ان قوّت امريكا صدام حسين ضد ايران ودفعته لحرب ثمان سنوات معها، هاجمته وسحقته عندما لجأ لبناء نفسه كقوة اقليمية عظمى من خلال تطوير سلاح نووي. نفس السيناريو يتكرر مع ايران اليوم، فبعد ان ساهمت امريكا في تعزيز مكانة ايران، من خلال اعطائها دورا رئيسيا في العراق من خلال الشيعة، تسعى امريكا اليوم الى تقويض النظام الايراني الذي انفتحت شهيته لزيادة نفوذه من خلال تطوير السلاح النووي.

ولكن امريكا اليوم لا تريد فتح جبهة حرب جديدة ضد ايران، طالما ان حربها ضد العراق تستنزف ميزانيات وارواح الجنود وتهدد نظام بوش السياسي. كما ان امريكا تحتاج الى ايران للسيطرة على العراق. والتقدم في المفاوضات مع رئيس السلطة الفلسطينية ابو مازن غير ممكن دون حماس حليفة ايران، وكذلك الامر في لبنان مع حزب الله نصير ايران.

ما العمل اذن؟ تفضل امريكا تطويع ايران لمصالحها والحصول منها على تنازل عن تخصيب اليورانيوم، من خلال ممارسة الضغط عليها بالعقوبات الاقتصادية والمساعي الدبلوماسية، ومحاولة عزل نظام محمود احمدي نجاد داخليا وخارجيا. وتهدف امريكا الى لجم دور ايران في العراق والحد من قدرتها على زعزعة امن واستقرار العراق، واحباط مساعيها لدعم التنظيمات المناوئة للسياسة الامريكية في المنطقة، مثل حزب الله وحماس.

يمكن القول ان الحملة الامريكية تأتي ضمن مساعيها لاعادة ترتيب الشرق الاوسط، بعدما أخلّت بتوازنه حربها في العراق. امريكا بحاجة للجم ايران، لكن هذه المرة ليس عن طريق الحرب، بل من خلال التوجه الى مجلس الامن والمنظومة الدولية.

العقوبات لعزل النظام

في ايلول (سبتمبر) الماضي أعلنت الادارة الامريكية عن الحرس الثوري الايراني منظمة ارهابية. ومن شأن هذا الاعلان إنزال ضربة شديدة بالقدرات الاقتصادية الايرانية، علما ان الحرس الثوري يتحكم ب35% من ناتج الاقتصاد الايراني، وتخضع لاشرافه المباشر العديد من المؤسسات الاقتصادية. وذكرت الصحف الامريكية ان هذه العقوبات تسمح لامريكا ايضا بالضغط على مئات الشركات الاجنبية التي تتعامل مع المؤسسات الايرانية.

وتشمل العقوبات اكبر ثلاث بنوك ايرانية، وجيش فيلق القدس التابع للحرس الثوري مشيرةً الى دوره في العراق، ودعمه نشاطات حزب الله العسكرية وتمويل نشاطات حماس، بل وحتى طالبان في افغانستان. تهدف العقوبات الى حمل ايران على التنازل عن طموحها لامتلاك الاسلحة النووية. ايران من جانبها تنفي ان لديها طموحا بتطوير سلاح نووي، وتدعي ان انشطتها النووية تخضع لاشراف وكالة الطاقة الذرية العالمية وانها لاهداف سلمية.

ومع ازدياد وطأة الضغوط الامريكية، احتد الانقسام في ايران. اولا بين احمدي نجاد وبين الاصلاحيين الذين يتزعمهم الرئيس السابق محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني. رفسنجاني يترأس اهم مجلسين في ايران، مجلس الخبراء الذي يعين ويعزل الرجل الاول في الجمهورية الايرانية اي المرشد الاعلى، ومجلس تشخيص مصلحة النظام المسؤول عن حل الازمات داخل البرلمان.

ثانيا، الضغوطات الامريكية أدت الى خلافات داخل تيار السلطة. فقد وجّه الحزب الاصلاحي انتقادا شديدا لسياسة احمدي نجاد محذرا من اخطار عزلة ايران عن الساحة الدولية. اما الخلافات داخل المحافظين انفسهم فقد عبّرت عنها استقالة علي لاريجاني، كبير المفاوضين الايرانيين في الملف النووي في الاسبوع الماضي، ليتم تعيين سعيد جليلي مكانه، وهو شخصية مقرّبة من احمدي نجاد. وعززت الاستقالة الانطباع بان الصراع على السلطة يحتد داخل النظام الايراني، علما ان كلا الرجلين يعارضان وقف البرنامج النووي.

لاريجاني الذي يشغل منصب امين عام المجلس الاعلى للامن القومي، كان قد عُيّن مباشرة من قبل المرشد الاعلى للثورة، علي خامنئي، ويعتبر من انصار الخط الهادئ والتدريجي في التعامل مع الملف النووي. اما احمدي نجاد فلا يرى مجالا للتهدئة مع الغرب، لذا فهو يستخف بقرارات مجلس الامن المتعلقة ببرنامجه النووي، ويقلل من شأن امكانية فرض عقوبات جديدة على بلاده او شن حرب عليها.

ويشير مراقبون ان احمدي نجاد لم يقبل الاستقلالية الواسعة التي تمتع بها لاريجاني، ولذلك تعمّد قبل كل زيارة قام بها لاريجاني الى الخارج لاهداف التفاوض، ان يطلق تحذيرات نارية من مغبة تقديم اي تنازلات. ويبدو ان هذه التحذيرات والخطابات قد أحرجت شخصيات مهمة كثيرة داخل المؤسسة الحاكمة في ايران.

مراسل بي.بي.سي. كشف ان استقالة لاريجاني جاءت على ضوء مقترحات التسوية التي تقدم بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال زيارته لايران في نهاية شهر اكتوبر، وتنص على ان السبيل لحل الملف النووي هو التعاون الكامل مع الوكالة الدولية. عمليا نصح بوتين الرئيس الايراني بعدم منح امريكا حجة للهجوم عليه، وعدم الوقوع في الفخ الذي وقع فيه صدام حسين. وكما يبدو فان لاريجاني يميل الى هذا الموقف ولا يريد عزل نفسه عن روسيا لذا قبل الاقتراح ولكن الرئيس احمدي نجاد رفضه. واكد عضو اللجنة المركزية لحزب "اعتماد ملي"، محمد صادق جوادي حصار، ان لاريجاني أُجبر على الاستقالة بعد زيارة بوتين.

ولا يقتصر الخلاف داخل الكتلة البرلمانية المحافظة على استقالة لاريجاني. فقد انفصل 40 نائبا في البرلمان عن تيار احمدي نجاد، وشكلوا تيارا محافظا جديدا، بهدف الدفاع عن المصالح العليا للنظام، على حد تعبيرهم. وقام 150 نائبا آخر، غالبيتهم من التيار المحافظ، بتوقيع عريضة لاستدعاء احمدي نجاد امام البرلمان للرد على اسئلة تتعلق بالسياسات الخارجية والاقتصادية لحكومته.

وكان البرلمان قد طالب احمدي نجاد بالتوجه الى دول الجوار العربي لكسب ودّها، واعادة الثقة التي تزعزعت على نحو خاص بعد حرب العراق، وقيام ايران بدعم شيعة العراق ضد السنة. وفعلا قام احمدي نجاد في الاشهر الاخيرة بزيارة للسعودية، الكويت، قطر والامارات، في محاولة لدق اسفين في التحالف الجديد الذي تسعى الولايات المتحدة من خلاله لحصار وتطويق ايران.

خلال الزيارة تم تسريب بعض المطالب التي تقدمت بها السعودية للرئيس الايراني، اهمها ممارسة نفوذه لدى حزب الله لحل مشكلة لبنان، والاتفاق على رئيس للدولة قبل نهاية شهر تشرين الثاني. كما طالبت السعودية ايران بلجم فرق الموت التي تديرها في العراق. واكد مراقبون انه بعد انتهاء احمدي نجاد من زيارته للمنطقة، ظلت كفة امريكا هي الاقوى وكما يبدو لم ينجح في استعادة ثقة جيرانه العرب، السنة.

تهديدات عسكرية ودبلوماسية

امريكا التي تعتبر امتلاك ايران للسلاح النووي خطا احمر، لا تقف وحيدة في هذا الموقف بل يشاركها في ذلك كل الدول الاوروبية، بما فيها روسيا رغم تحفظها عن العقوبات، والدول العربية، وخاصة دول الخليج، والتي ترى في ايران اكبر عدو لها. وقد فسر وزير الدفاع الامريكي، روبرت غيتس، بان "هدفنا جميعا هو استخدام الضغط الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية لاقناع ايران بانها معزولة، وانه يتعين عليها تغيير سياساتها وطموحاتها".

وتدرك امريكا ان لايران حليف قوي هي روسيا التي تبحث عن دور اكبر في السياسة الاقليمية والعالمية. وبسبب الخلافات بين امريكا وروسيا حول هذا الدور، تواجه امريكا صعوبات في التقدم نحو فرض عقوبات على ايران في مجلس الامن. وكانت وزيرة الخارجية الامريكية، كوندوليزا رايس، قد زارت بوتين مؤخرا، ولكن هذا لم يمنع الرئيس الروسي من المشاركة في لقاء دول محيط بحر قزوين مع ايران.

كما قامت رايس بزيارات مكوكية لدول المنطقة في الاسبوعين الاخيرين لبناء الحلف ضد ايران، واجبارها على التنازل عن فكرة انشاء المفاعل النووي. وقالت رايس في جلسة استماع في الكونغرس: "اننا قلقون للغاية حيال سياسة ايران التي تشكل ربما اكبر تحد لمصالح الولايات المتحدة الامنية في الشرق الاوسط وفي العالم".

من جهة اخرى، بدأت الولايات المتحدة تعد سيناريو محتمل، لاقناع شعبها والعالم بضرورة توجيه ضربات عسكرية لايران. وايران من جانبها ردت بالتباهي بقدراتها العسكرية وبامكانيتها اطلاق 11 الف صاروخ خلال دقائق اذا ضُربت عسكريا. وكانت امريكا قد بدأت بحملة تسليح دول عربية للوقوف في وجه ايران، منها صفقات اسلحة بقيمة 20 مليار دولار للسعودية، الامارات، مصر والكويت.

وفي محاولة لطمأنة روسيا وجعلها تتخلى عن دعمها لاحمدي نجاد، عرضت امريكا عليها وجودا عسكريا في مواقع الدرع الصاروخي باوروبا، خاصة في تشيكيا وبولندا. واكد بوش ان نشر الصواريخ الامريكية في اوروبا ليست موجهة ضد روسيا، بل ضد ايران التي تملك القدرة على تطوير اسلحة باليستية عابرة للقارات قبل عام 2015.

يبدو ان سياسة إحكام الطوق على نظام احمدي نجاد المتطرف وعزله داخليا وخارجيا، بدأت تؤتي ثمارها. فايران دولة متنوعة، نصف سكانها من الاقليات المقموعة الناقمة على النظام الذي يدير ضدها حملة اعتقالات واعدامات غير مسبوقة. وايران هي بلد منكوب بالبطالة والفقر الذي يطال الشباب والنساء. نظام احمدي نجاد عاجز عن الوفاء بوعوده للفقراء والمستضعفين الذين اوصلوه للحكم، فلم يكافح الفساد ولم يواجه المافيا التي حكمت قبله، ولم يحل ازمة السكن، كما حنث بوعده في اعادة توزيع الثروة النفطية. ولكن اي تغيير محتمل في النظام لن يأتي بنظام امريكي مئة بالمئة، لان الاجماع على تطوير النووي موجود وقائم.

الولايات المتحدة تواجه وضعا صعبا بعد تورطها في الوحل العراقي، فقد اهدرت اكثر من الف مليار دولار على الحرب، وتدنت شعبية رئيسها على خلفية المعارضة الداخلية ضد سياسته في الشرق الاوسط. امريكا تهدم وتحاول ان تبني كل مرة من جديد، ولكن الوضع يتجه نحو المزيد من التدهور. امريكا لا تريد تحويل ايران الى عراق جديد، وهي لا تستطيع ان تحكم العراق دون تعاون من ايران، لذا فهي تريد من ايران ان تخدم مصالحها من خلال الضغط والعقوبات، ولكن هذا يبدو حلما بعيد المنال في الوضع الشرق اوسطي المعقد الذي خلقته بايديها. "end"

اضف تعليقًا

ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.

الاسم

البريد الالكتروني

العنوان

موضوع التعقيب

تعليقك على الموضوع

Home نسخة للطباعة