كلمات للبحث
تقرير الاستخبارات حول ايران دليل عدم ثقة ببوش
تقرير الاستخبارات الامريكية حول المشروع النووي الايراني، هو رسالة واضحة لادارة بوش بان المؤسسة العسكرية لا تريد التورط في مغامرات عسكرية جديدة، وان على الادارة المقبلة حل العقدة العراقية بالطرق الدبلوماسية وليس بزيادة القوة المسلحة.
مؤتمر انابوليس الذي انعقد في ٢٧/١١، ظهر كمحاولة لاطلاق المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية من جديد. غير ان المدعوين ادركوا ان القمة تجتمع للجم صعود القوة الايرانية وعزلها، ودق الاسفين بينها وبين سورية. ولكن لم تمض عشرة ايام على القمة، وفيما الرئيس الامريكي، جورج بوش، منهمك في التحضير لملف "التهديد الايراني على استقرار المنطقة"، حتى فوجئ بتقرير ١٦ وكالة استخباراتية امريكية في ٦/١٢ يعلن ان ايران جمدت مشروعها تطوير القنبلة النووية منذ عام 2003. واعتبر التقرير اعلان عدم ثقة بالرئيس الذي قاد الولايات المتحدة لمدة ولايتين من كارثة الى اخرى.
درس من العراق
ان آخر ما تريده الولايات المتحدة هو الدخول في حرب جديدة مع ايران، خاصة انها لا تزال متورطة في حرب العراق التي كلفتها حتى الآن الف مليار دولار، و٤.٠٠٠ جندي قتيل. ومع هذا فقد كان من الوارد توجيه ضربة عسكرية محددة لايران، وازداد الاحتمال بعد ان اقر مجلس الامن العقوبات على ايران مرتين.
ولكن جهاز الاستخبارات الامريكي الذي تزعزعت مصداقيته بشدة، بعد ان تبين ان حرب العراق اعتمدت على معلومات استخباراتية زائفة، لا يريد التورط في حرب جديدة. ما يريده الجهاز هو تنظيف اسمه واستعادة هيبته من خلال الفحص الدقيق لما يصدر عن المؤسسة السياسية التي يمثلها الرئيس الامريكي، وعدم الانجرار بشكل اعمى و"طبخ تقارير" تلائم املاءاتها، كما كان الحال في قضية الاسلحة الكيماوية التي لم يعثر عليها ابدا في العراق.
اشار التقرير ان طهران اوقفت برنامجها النووي السري عام ٢٠٠٣، نتيجة الضغط الدولي الذي مارسته الولايات المتحدة وحكومات غربية اخرى. وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" ان اجهزة الاستخبارات تصنتت على مكالمات بين كبار العسكريين الايرانيين، الامر الذي ادى الى "اكتشاف كبير" حسم قرار المسؤولين بان الجمهورية الاسلامية أوقفت برنامجها".
التقرير المخابراتي شكّل صفعة قوية لنظام الحلول العسكرية، وايضا لاسرائيل، ومنح موسكو وبكين في الوقت ذاته الحجة لعدم الموافقة على جولة ثالثة من العقوبات في مجلس الامن، كما تطلب الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا.
ولم يمض وقت طويل على تقرير المخابرات، حتى اعلنت روسيا في ١٦/١٢ عن البدء بتسليم الوقود النووي لمحطة بوشهر، اول محطة نووية ايرانية لانتاج الطاقة. وقالت شركة "اتوم ستروي اكسبورت" ان عملية التسليم ستستغرق شهرين، وان المحطة التي يبنيها اخصائيون روس ستبدأ بانتاج الكهرباء خلال ستة اشهر تقريبا. وكانت شحنة الوقود النووي قد وصلت ايران بعد ايام قليلة من اتفاق موسكو-طهران على الجدول الزمني لاكمال بناء مفاعل بوشهر، بعد سنوات من التأخير الروسي في بنائه.
هناك تقديرات بان عملية تسليم ايران اليورانيوم الروسي تمت بالتشاور مع الولايات المتحدة التي رحبت به واعتبرته دافعا اضافيا لطهران لتتخلى عن اية انشطة نووية. وقال الرئيس الامريكي بوش: "تزويد روسيا لايران باليورانيوم المخصب لاستخدامه في اغراض سلمية، يبطل حاجة ايران لتعلم كيفيه تخصيبه بنفسها".
وبغض النظر عن التشاور بين واشنطن وموسكو في هذا الشأن، الا ان الواضح ان واشنطن خسرت معركة مهمة امام روسيا. من جانب آخر سيبقى المفاعل الايراني تحت اشراف وكالة الطاقة الذرية.
تجلى الضعف الامريكي ايضا في العجز عن كسر شوكة ايران التي رفضت، رغم العقوبات، الاذعان للغرب الذي طالب بتعليق عمليات تخصيب اليورانيوم.
من قوة عسكرية لقوة ذكية
ورقة القوة العسكرية تحولت الى ورقة خاسرة، فقد أثقلت على ميزانية الولايات المتحدة، وأفقدت الرئيس شعبيته. وبعد تقرير جهاز الاستخبارات الذي أوضح للرئيس بوش ومن تبقى من المحافظين الجدد، بانه لن يمنحهم فرصة اخرى لفرض اجندتهم، بدأت امريكا تسعى لتفعيل ورقة "القوة الذكية". لهذا الغرض تشكلت لجنة حزبية ثنائية، شارك في رئاستها مؤخرا ريتشارد ارميتاج، نائب وزير الخارجية السابق في ادارة بوش.
انبثقت "لجنة القوة الذكية" عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، وهي مؤلفة من نواب جمهوريين وديمقراطيين في الكونغرس الامريكي وسفراء سابقين وضباط عسكريين متقاعدين. واستنتج هؤلاء ان النفوذ الامريكي تراجع في السنوات الاخيرة، وان على الولايات المتحدة ان تتحول من تصدير الخوف الى بث التفاؤل والامل. وزير الدفاع، روبرت غيتس، الذي يتفق مع هذا الرأي، دعا حكومة بلاده الى تكريس المزيد من المال والجهد لتنمية "القوة الناعمة" بما في ذلك الدبلوماسية والمساعدات الاقتصادية.
ويبدو ان مقترحات اللجنة بدأت تؤتي ثمارها. فقد ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" ان الولايات المتحدة اظهرت استعدادا غير عادي للبدء بعهد جديد من الحوار مع سورية، ولم يبق سوى ارسال سفير الى دمشق، على حد تعبير الصحيفة، وان امريكا ماضية في جولة اخرى من المفاوضات مع ايران حول مصير العراق.
ايران من جانبها أعلنت عن خطوات حسن نية، خاصة فيما يتعلق بلجم القوات الشيعية في العراق، تلبية للمطلب الامريكي الاساسي الساعي لاعادة الاستقرار هناك ودحر المقاومة. السفير الامريكي لدى العراق، ريان كروكر، اثنى على مساعي ايران للمساعدة في كبح عنف الميليشيات الشيعية، وخاصة ميليشا المهدي بزعامة مقتدى الصدر الذي أعلن مؤخرا عن وقف اطلاق النار. كما ساعدت ايران في ضمان سريان وقف اطلاق النار في مناطق تتمتع بالنفوذ فيها.
وقال ديفيد ساترفيلد، منسق الشؤون العراقية ومستشار وزيرة الخارجية الامريكية، لصحيفة "واشنطن بوست": "ان القيادة الايرانية تتحرك "على اعلى مستوى" للتضييق على الميليشيات الشيعية المقربة منها في العراق". يأتي هذا الموقف الامريكي في وقت يجري فيه الاعداد لجولة رابعة من المحادثات الايرانية- الامريكية حول العراق. المحادثات التي لم يحدد موعدها بعد، تهدف للاسهام في خفض اعمال العنف في العراق.
الهدف تغيير النظام
بعد تجميد الورقة العسكرية في التعامل مع الملف الايراني، يبقى الهدف الاساسي للولايات المتحدة تغيير النظام وعزل رئيسه محمود احمدي نجاد. ولا يبدو ان احمدي نجاد يصعب على امريكا المهمة، فسياسته المتشددة وتفوهاته المتطرفة تحرج المؤسسة السياسية الايرانية نفسها وتضع في ارباك حزبه المحافظ.
القائد السابق لقوات الحرس الثوري الايراني، محسن رضوي، والسكرتير الحالي لمجمع تشخيص النظام الذي يقدم المشورة للمرشد الاعلى آية الله علي خامنئي، انضم مؤخرا الى قائمة القادة الذين انتقدوا السياسات الاقتصادية للرئيس الايراني، والتي ادت الى ارتفاع كبير في الاسعار. وقال رضوي في مقابلة لصحيفة "سرمايا" الايرانية ان سياسة الحكومة ضخّ كميات كبيرة من السيولة للاسواق لتمويل مشروعات كبيرة، هي السبب في ارتفاع الاسعار.
التهديد الخارجي من جانب الولايات المتحدة، ساعد احمدي نجاد حتى الآن في حرف انظار الشعب الايراني عن مشاكله الداخلية. وهناك تقديرات بان تراجع التهديد الخارجي الآن سيُبرز الى السطح اوضاع الفقر والبطالة، وسيضع امام الرئيس الايراني مطالب السكان بتحسين ظروف المعيشة، كما وعدهم قبل انتخابه. ويرى الكثير من المحللين ان العقوبات لم تضر بالنظام كما اضرت بالشعب وخاصة الطبقات الوسطى. فضمن العقوبات وضعت واشنطن اكبر ثلاث بنوك حكومية ايرانية على قائمة سوداء وتحت ضغوط امريكية، كما انسحبت البنوك الاوروبية من الجمهورية الاسلامية. ويرى المعلقون ان هذه الضغوطات من شأنها ان تحض الشعب على تبديل احمدي نجاد برئيس اكثر مرونة.
بصرف النظر عن امكانيات الورقة الدبلوماسية و"القوة الذكية" تحقيق السعي الامريكي لتغيير النظام الايراني، فمما لا شك فيه انها لا تزال تجر نتائج خيبتها في العراق. تقرير الاستخبارات هو نقطة مفصلية خطيرة في حياة ادارة بوش التي وصلت الى طريق مسدود. كما انه رسالة واضحة بان المؤسسة العسكرية الامريكية لا تريد التورط في مغامرات عسكرية جديدة، وان على الادارة المقبلة التي ستتولى الحكم في عام ٢٠٠٩ ان تعمل بشكل حثيث على حل العقدة العراقية بالطرق الدبلوماسية وليس بزيادة القوة المسلحة، وذلك لانقاذ هيمنة وهيبة الامريكان في العالم.
اضف تعليقًا
ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.