كلمات للبحث
حرب التحرير
فقط وهي في الواحدة والثلاثين من العمر، بدأت وفاء طيّارة العمل. بعد عامين عملت فيهما ثماني ساعات يوميا مقابل 2000 شيقل في الشهر فقط، وجدت طريقها للاستقلالية
أجرت المقابلة الصحافية بيلي موسكونا- ليرمان في 25/6/2010 ونشرت في صحيفة معريڤ وفي موقع الإنترنت التابع للصحيفة. ترجمة: نزار محاجنة.
تحوز وفاء طيّارة اليوم على احترام وتقدير أبناء بيتها وقريتها، كفر قرع. وفاء مسؤولة عن تجنيد وتشغيل عاملات الزراعة. لكن قبل فترة وجيزة كانت هي بنفسها عاملة في بداية طريقها. وفاء اليوم واثقة بنفسها، تعمل في وظيفة وتتقاضى راتبًا وتحظى بمكانة محترمة في بيتها وفي قريتها. لكنّها قبل فترة وجيزة كانت يائسة ولا تدرك مدى استغلالها وممتنّة لكلّ من يوافق على تشغيلها.
تذكر وفاء ذلك اليوم بكلّ تفاصيله، قبل ستّ سنوات، الذي سافرت فيه لأوّل مرّة للعمل في احدى المزارع كعاملة زراعة. "كنت في الحادية والثلاثين من عمري"، تحدّثنا وفاء. "زوجي الذي عمل في البناء، تعرّض لحادث عمل وعانى من آلام في ظهره، والمقاول الذي عمل عنده فصله ولم يعترف بالإصابة كإصابة عمل.
"كنّا معدمين في تلك الفترة، واضطررت إلى البدء في البحث عن عمل. كان ذلك بعد سبعة أشهر من الولادة وكنت لا أزال أرضع صغيري. بعد البحث والجهد الجهيد، وافق جارنا الذي كان مقاولاً، على تشغيلي. كنت سعيدة لأنّني سأعمل وسأكسب المال- إلى أن ركبت السيّارة التي ستقلّنا إلى العمل".
"كنّا هناك"، تقول وفاء عن تلك السفرة وعن سفرات كثيرة أخرى بعدها، "محشورات كقطيع الأبقار. جلسنا 15 امرأة في سيّارة تتّسع لسبعة ركّاب. في ذلك اليوم أخذنا المقاول إلى منطقة چڤعات عادة لقطف الخوخ. "في نهاية اليوم، في طريقنا إلى البيت، احمرّ جلدي بسبب الحساسية من شعيرات الخوخ، كان صدري مليئًا بالحليب لأنّ ابني لم يرضع كلّ اليوم، وعانيت من الجفاف لأنّي لم أشرب بما فيه الكفاية، كنت تعبة لأنّنا عملنا كالبهائم التي تحمل البضائع، وفي طريقي إلى البيت لم أجد مكانًا في السيّارة أجلس فيه".
في اليوم التالي بدأت وفاء الاطلاع على الاستغلال عن كثب. "سألت العاملات ما هو الأجر اليومي، وأجبن 85 شيقلا لثماني ساعات، وأحيانًا لا يتقاضين مقابل الساعات الإضافية. كانت وفاء تكتشف كلّ يوم شيئًا جديدًا. "مثلا المقاول لا يمنح قسيمة راتب للعاملات. العاملة التي طلبت قسيمة راتب، كان عليها ان تدفع مبلغا معينا مقابلها. المقاول لم يدفع عنا رسوم التأمين الوطني او الصحي أيضًا. إذا سقطت من الشجرة أو من السلّم أو وقعت في بئر، فالعاملة وحدها تتحمّل تكاليف العلاج. كان المقاول في نهاية اليوم يقول لصاحب المزرعة - اليوم أحضرت ستًّا وخمسًا. سألت العاملات ماذا يقصد بذلك، وشرحن لي أنّ ذلك رمزًا بينه وبين صاحب المزرعة يشير فيه الى عدد العمال وعدد العاملات، واتضح ان تكلفة العامل الرجل اعلى من تكلفة العاملة مع أنهما قاما بنفس العمل".
اتّبع المقاول اسلوبا خاصّا لتجنيد العاملات. "كان يُسكت الآباء والأخوة الذين لم يسرّهم عمل بنات العائلة. كان يتوجه للعائلة التي فيها كثرة من البنات، ويقول للأخ الأكبر - أنا سأجد لهنّ عملاً وسأحافظ عليهنّ. لا ترسلهنّ للعمل في المصنع". كان يتحدث وكأنّه كان يوفّر لنساء القرية الأمان والحماية من التحرّش بهنّ، لكنّه كان يستغلهنّ مادّيًا".
أصعب شيء، تقول وفاء، هو الجانب النفسي. "كان المقاول طوال الوقت يشتكي ويقول لنا - اليوم لم تعملن كما يجب، لم تكنّ ناجعات في العمل، سأضطرّ للدفع من جيبي، عليكنّ الاجتهاد أكثر. لم نسمع منه كلمة تشجيع أبدًا.
"نساء في سنّ ال30 وال40 يستيقظن في الرابعة صباحًا ويعملن ثماني ساعات في الزراعة، ويقولون لهنّ طوال الوقت إنّهنّ لا يعملن جيّدًا، وإذا لم يجتهدن سيُستبدلن في لحظة، لأنّ هناك آلافًا أخريات ينتظرن في الدور. وعندئذ، خوفًا من الفصل من العمل، كانت العاملات يحضّرن القهوة للمقاول ويشترين له الهدايا ويعملن ساعات إضافية بدون مقابل، كي يحافظن على مكان العمل".
لم يكن الأمر سهلاً
مع مرور الوقت، بدأت وفاء تدرك مدى الاستغلال. "بعد فترة معيّنة قلت له - هل تعلم أنّ هناك قانونًا للأجر الأدنى؟ أدهشه كلامي، وقال إنّه أحسن إليّ بقبولي للعمل، وطلب منّي أن لا أتحدّث عن ذلك أمام أحد. حاولت التحدّث مع العاملات أيضًا، وفورًا طلبن منّي عدم التحدّث عن ذلك وقلن - هل تعلمين كم فتاة او امرأة تبحث عن عمل؟ هل تعلمين كم ينتظرن دورهنّ للعمل؟ - أدركت مدى خوفهنّ، أصابتني الحيرة لأنّني لم أرغب في طلب المال من أجلي فقط، أردت طلب المال للجميع لأنه حقنا.
"عندما كنت أعود من يوم العمل كنت استحمّ وأرضع ابني فورًا، وخلال ذلك بدأت في التفكير كيف خرجت من البيت في الرابعة صباحًا وعدت وفي جيبي 85 شيقلا فقط. ألم الاستغلال كاد يسبب لي الجنون، لكن لم يكن لديّ خيار آخر. استمررت على هذه الحال سنتين. عملت ثماني ساعات في اليوم، وأحيانًا أكثر، وتقاضيت 2000 شيقل في الشهر، وازدادت عصبيتي- إلى أن جاءت النجدة".
في صباح أحد الأيّام توجّه إلى وفاء نشيطون من نقابة "معًا" التي تطبّق مشروع فتح اماكن العمل المنظّم أمام النساء العربيات. "كانوا يعرفوننا في معًا، لأنّ زوجي عمل في البناء عن طريقهم، واقترحوا عليّ العمل عن طريقهم في الزراعة، هذه المرة مع كامل الحقوق. قرّرت المحاولة. أبلغت المقاول بأنّي سأترك العمل وذهبت للعمل عن طريق النقابة. عملت بدون مقاول، جلست في مقعد في السيّارة، وعملت حسب قانون الأجر الأدنى الذي يبلغ 20 شيقلا في الساعة (عام 2004). كانت تلك نقطة تحوّل في حياتي، دفعتني إلى الأمام. شعرت بأنّي تحوّلت من إنسان مستغلَّ إلى إنسان مستقلّ ومنتج.
لم يكن الانتقال سهلاً. "عندما أبلغت المقاول بأنّي سأترك العمل، كان يلتقي بأولادي في حيّنا ويقول لهم "الويل لوالدتكم". كان يعلم بأنني ذهبت للعمل عن طريق "معًا"، وعرف حقّ المعرفة أنّ أجري اليومي كان 144 شيقلا، وليس 85 شيقلا. وبعد ذلك بدأ بتهديدي علنًا، ولكنّه ندم على ذلك واعتذر.
في نهاية الأمر سألني إذا كان باستطاعته أن يعمل عن طريق "معًا"، إذا كان بإمكاني أن أدبّر له عملاً يحافظ فيه على البنات اللواتي يعملن عن طريق "معًا". قلت له إنّ "معًا" لا تحتاج إلى حاضنة. في أيّامي الأولى في "معًا"، كنت أتّصل كلّ يوم بالمسؤولة لاستوضح إذا كانوا بالفعل سيدفعون لي 144 شيقلا في اليوم. لم أصدّق حتّى حصلت على الراتب الأوّل، وبعد أن عملت فترة معيّنة، أصبحت عنوانًا في القرية تلجأ إليه النساء. "اعملي لي معروفًا، نريد أن نعمل عن طريق النقابة"، كانت هذه الجملة التي كنت أسمعها كلّ يوم. بدأت رويدًا رويدًا بإيجاد عمل لهؤلاء النساء، ومن عملت عن طريق معًا، لم تعد للعمل مع المقاول".
"لن يعيدني أحد لما كان في الماضي"
الخروج إلى العمل ليس سهلاً للمرأة العربية، تقول وفاء. التعلّم والعمل في وقت واحد هو أمر أصعب. " بعد اصابة زوجي بدأت البحث عن عمل ولكن عائلته لم يعجبها ذلك، واعتبرت الأمر عيبا. أرادوا أن أبقى في البيت وأن يدعمني أخي ببعض القروش وأن نتدبّر أمورنا بأيّة طريقة. ولكن لحسن حظّي زوجي أيضًا لم يرغب في العيش من إحسان الآخرين".
"لحسن حظّي أيضا، أني نشأت في بيت أهلي على مبادئ الاستقلال. عادةً لا يسمحون للبنات بالخروج من البيت، لكنّ والدي كان يقول لوالدتي "دعيهنّ يخرجن واعتمدي عليهنّ". كان يفكّر بمفاهيم التربية على الاستقلالية الاقتصادية. أنهيت المدرسة الثانوية وحصلت على شهادة البجروت. كان من المفترض أن أكمل تعليمي، لكن بسبب زواجي المبكّر في سنّ 19 وبسبب عدم موافقة أهل زوجي على التعليم، لم أكمل تعليمي.
"اليوم أدركت أنّ الوضع الاقتصادي الصعب هو بالذات الذي حرّرني. كنت مضطرّة للعمل لإعالة أسرتي، اكتسبت استقلالية ولا أحد اليوم يستطيع إعادتي إلى الوراء. لا يمكن لأحد أن يقرّر لي ماذا أفعل. على النساء اللواتي يستشرنني في كيفية اقناع أزواجهنّ بالسماح لهنّ بالعمل، أقترح طريقًا التفافيًا: مثلاً، أن يقلن أنهم يردن العمل فقط لشراء ثلاّجة أو غسّالة أو لتدفع مقابل دورات الأولاد. بعد ذلك، بعد أن يرى قسيمة الراتب، يدرك الرجل العربي أنّه لا يمكن أن يكون معيلا وحيدا للعائلة".
الخطوة التالية هي افتتاح مكتب "معًا" في كفر قرع. "كان ذلك بالنسبة لأبناء القرية تمرّدًا على المقاولين، لأنّ الكثير من النساء جئن للتسجيل في المكتب، ونحن أيضًا في "معًا" عملنا ما بوسعنا. خرجنا إلى البيوت وطرقنا الأبواب وجلسنا للتحدّث مع الرجال وشرحنا أنّ العمل المنظّم لا يعيب المرأة، بل بالعكس. ستكون المرأة محمية وتحظى بأفضل أجر. وقد نجحت جهودنا، جنّدنا حوالي 5000 امرأة خرجن للعمل.
"يرى الأزواج أنّ النساء يعملن ويتقاضين أجرًا، الامر الذي يعلي من شأنهن في نظرهم. لأن النساء اليوم يكسبن المال ويساهمن في دخل العائلة، تحسّنت معاملة الرجال والأبناء والاخوة لهنّ. النساء اللواتي خرجن للعمل يحدثنني بأنّهن منذ بدأن العمل تحسنت نفسيتهن، لديهنّ الآن صديقات ويشاهدن الأخبار في التلفزيون وينتظرن النشرة الجوية لمعرفة حالة الطقس غدًا، يشعرن بالحياة ويجرؤن على طلب المساعدة من أزواجهنّ ومن الأولاد. قبل خروجهنّ للعمل كان المجتمع من حولهن يقول لهنّ "ماذا تفعلن كلّ اليوم؟"، أما اليوم فاختلفت النظرة تجاههنّ داخل البيت وخارجه".
اضف تعليقًا
ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.
السابق
"حرب التحرير"
شفاء مصاروه
كفر قرع
نشر بتاريخ ٠٠.٠٠.٠٠٠٠, -