كلمات للبحث
لماذا فشلت خطة ويسكونسين؟
لماذا فشلت خطّة ويسكونسين، ولماذا يُتوقّع أن تفشل الخطط المشابهة التي سيطرحها نتنياهو وشركاه قريبا؟ تكمن الإجابة في سياسة التشغيل المتّبعة في البلاد. نتنياهو يدير البلاد كما لو كانت مكتبا للاستيراد والتصدير م.ض، والنتيجة هي نوع من الجريمة الثلاثية: أوّلاً قرّرت الدولة عدم الاستثمار في الصناعة والتركيز على الهاي-تك، في هذا الإطار ألغت الدولة الجمارك الوقائية التي حافظت على الصناعة المحلّية، كفرعَي الغذاء والنسيج، مما ادى لانهيار قسم من هذه المصانع وانتقال القسم الآخر إلى دول الفقر، كالأردن والصين. هناك جنى أصحاب هذه المصانع ثروة طائلة، بينما حُكم على عشرات الآلاف من العمّال المحلّيين بالبطالة.
ثانيًا، في الفروع التي لا يمكن تصديرها، كالبناء والزراعة والتمريض، استوردت الحكومة عمّالاً أجانب وشغّلتهم بظروف اشبه بالعبودية، وكان هذا نوع من الدعم الحكومي للمزارعين والمقاولين الذين حصلوا على ايدي عاملة رخيصة جدا وسهلة للاستغلال. مرّة ثانية اضطرّت عشرات الآلاف من العمّال إلى طرق باب مكاتب العمل. الجريمة الثالثة كانت عندما قرّر صنّاع القرار استيراد شركات قوى بشرية من خارج البلاد لتنفيذ خطّة ويسكونسين، وجني ارباح طائلة على حساب العاطلين عن العمل الذين خلقتهم الحكومة بأيديها، وذلك لكي تتخلص من دفع مخصصات البطالة لهم.
بالمقابل، تتواصل حملة خصخصة أملاك الدولة بلا هوادة لصالح أصحاب رؤوس الأموال، الأصدقاء المقرّبين من رجال السياسة. إحدى النتائج التي نجمت عن هذا الوضع هي القضاء على العمل المنظّم وازدهار شركات المقاولات وشركات القوى البشرية بأنواعها التي تتمتّع بسوق عمل "مرنة" أي مليئة بعمال غير منظمين ومعرضين للاستغلال بسهولة. من عثر من هؤلاء العمال على عمل، يجد نفسه "عاملاً فقيرًا" بأجر أدنى لا يسمن ولا يغني من جوع محروما من الحقوق الاجتماعية أو الثبات في العمل. لقد فعلت الدولة كل ما بوسعها لتتهرب من مسؤوليتها عن سوق العمل، ليس غريبًا اذن ان تحتل إسرائيل المرتبة الأولى في العالم الغربي من ناحية الاستقطاب الطبقي وأيضًا من ناحية نسبة الفقر التي تبلغ %20.
لو نفّذوا خطّة ويسكونسين ضمن وضع اقتصادي مزدهر، لما تعرضت الخطّة لهذه المعارضة. لكن في وضع القائم، لم يكن امام موظّفي ويسكونسين إلاّ ملاءمة جمهور العاطلين عن العمل لسوق العمل الاستغلالي. يدّعي مؤيّدو الخطّة بأنّ نجاحها ينعكس في نِسَب التشغيل العالية. ادّعاؤهم بأنّ 18 ألف عاطل عن العمل قد وجدوا عملاً، يستوجب فحصًا أكثر دقّة. أوّلاً، بسبب طبيعة العمل الذي حصلوا عليها: تمّ تشغيل معظم العاطلين عن العمل مقابل أجر أدنى أو أقلّ منه، ولهذا السبب لم ينجحوا في الخروج من دائرة الفقر. كانت الأعمال في أغلب الحالات مؤقّتة لسبعة أشهر بالمعدّل، كما يشهد على ذلك القائمون على الخطّة من وزارة الصناعة والتجارة والتشغيل. باقي الأعمال كانت جزئية. بسبب تهديد الشركة للعاطلين عن العمل بحرمانهم من مخصصات البطالة، اضطر هؤلاء للعمل بظروف قاهرة، كيلا يحرَموا من مخصّصات تأمين الدخل أو إكمال الدخل.
ثانيًا، عدد كبير من العاطلين عن العمل الذين توجهوا إلى فروع نقابة معًا في القدس والمثلث والناصرة، أفادونا بأنّ الشركة طالبتهم بإحضار قسائم الراتب حتّى عندما حصلوا على العمل بجهودهم الذاتية وليس بمجهود شركات ويسكونسين. وتثير هذه الإفادات شكّا كبيرا بأنّ الشركات عرضت هذه القسائم على الحكومة كما لو كانت تمت بمجهودها وحصلت بالمقابل على علاوات تصل 20 ألف شيقل على الأقلّ عن كل قسيمة اجر. الدولة من جانبها رأت في هذه الأعداد من العمّال الذين تمّ تشغيلهم إنجازًا يشهد على نجاح الخطّة.
لكن الأسوأ من الفساد هو الاستهتار بعقول المواطنين. لا شيء يدعو إلى الغضب أكثر من الإعلانات التي تبذّر عليها الحكومة أموالاً طائلة لإقناع المشغّلين بتشغيل عمّال محلّيين وعدم تشغيل عمال اجانب غير قانونيين، هذا في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة استيراد العمال الاجانب. قبل ايام قليلة فقط وصلتنا "بشرى" تصديق الحكومة نهائيًا على استيراد 3700 عامل أجنبي آخر من تايلاند لفرع الزراعة، لحلّ مشكلة المزارعين، الذين يتذمّرون، كعادتهم، من النقص في الأيدي العاملة.
نحن في نقابة معًا نقوم بجولات متكرّرة في المَزارع ونحاول إقناع المزارعين بتشغيل نساء عربيات في الزراعة مقابل أجر أدنى. ونشير بهذا الصدد ان جزءا كبيرا من النساء العربيات يشاركن في خطّة ويسكونسين. ولكن رغم جهودنا، يرفض المزارعون في أغلب الأحيان استيعاب نساء عربيات للعمل، بادّعاء عدم حاجتهم للعمّال بسبب وجود العمّال التايلانديين. النتيجة هي %83 بطالة بين النساء العربيات، مما يؤدي الى فقر يفوق 50% من الوسط العربي في إسرائيل.
لا يمكن وصف فرحة العاطلين عن العمل والمنظّمات الاجتماعية بسبب إلغاء الخطّة، التي كان من المفترض العمل بها في كلّ البلاد. نحن أيضًا في معًا عملنا كثيرًا من أجل زوال هذه الخطّة من حياتنا. لكن رغم فشل الخطّة، ترفض الحكومة التنازل عن خصخصة مصلحة الاستخدام، كجزء من سياسة الخصخصة العامّة. وقد سارع نتنياهو للاعلان عن نيّته تقديم خطّة جديدة شبيهة بخطّة ويسكونسين.
بدلاً من محاربة العاطلين عن العمل، يتوجّب على الحكومة تشجيع الصناعة وخلق أماكن عمل. بالإمكان مثلاً فرض ضرائب على الشركات التي أبقت مراكزها الإدارية في إسرائيل ونقلت المصانع إلى خارج البلاد، وذلك كيلا يكون مربحا لها نقل مصانعها. بالإضافة إلى ذلك، على الدولة وقف استيراد العمّال الأجانب. من السهل على الدولة اتّهام العمّال الأجانب غير الشرعيين بسلب أماكن العمل من العمّال المحلّيين، ولكن الحقيقة أنّ الدولة هي نفسها التي سلبت أماكن العمل من مواطنيها، عندما استوردت إلى البلاد 100 ألف عامل أجنبي شرعي، على استعداد بالعمل مقابل 13 شيقل للساعة، وبشروط عمل لا يقبل العمّال المحلّيون العمل بها ولا يفترض بهم ذلك حسب القانون أيضًا. ثالثًا، على الدولة أن تستثمر في خطط جدّية للتأهيل المهني للعاطلين عن العمل، نفس الخطط التي قامت بتقليصها وتحويل أموالها لخطّة ويسكونسين. بهذه الطريقة ستعمل الحكومة من أجل مصلحة المواطنين وتوفّر لهم أماكن عمل لائقة، ولن تكون حاجة لخطط كخطّة ويسكونسين.
اضف تعليقًا
ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.