تاريخ النشر ١٤/٠٤/٢٠١٠

شؤون محلية

الوسط العربي كعتبة لانضمام إسرائيل لمنظمة OECD

اساف اديب

ترغب إسرائيل في الانضمام إلى المنظمة الدولية OECD، لكنّ ذلك يتطلّب التعامل مع وضع متطرّف من التمييز القومي الذي تمارسه حكومتها ضدّ المواطنين العرب. ما العمل؟ يأتون بالبروفسور براڤرمان من البنك الدولي، وزير شؤون الأقلّيات من حزب العمل، ليسوّق "خطّة تاريخية" لمساواة العرب في إسرائيل. لكن بعد انضمام إسرائيل للمنظّمة، لن يسأل أحد إذا كانت الخطة قد تحقّقت أم لا.

عاتصام معًا في الناصرة 2000 ضد مؤتمر قيسارية لرجال الاعمال

الباص الذي أقلّ رجال الأعمال الذين وصلوا إلى الناصرة بمبادرة رئيس الدولة النشط، شمعون بيرس، في بداية آذار الماضي، رسم الهدف الذي سينقضّ عليه هذه المرّة. في سنة 1993 أعلن بيرس لرجال الأعمال الإسرائيليين أنه اكتشف "قارّة" جديدة في الضفّة الغربية. بعد التوقيع على اتّفاقية أوسلو مع عرفات، أشرك بيرس رؤوس المال الإسرائيليين في مؤتمرات اقتصادية إقليمية، كان من المفترض أن تستغلّ اتّفاقية أوسلو لشقّ طريق إسرائيل إلى دول الخليج. لم يلقَ هذه المشروع نجاحًا وفشل تمامًا عندما كشفت انتفاضة 2000 أنّه رغم الاتّفاقية، تواصل إسرائيل احتلال الأراضي الفلسطينية وترفض مبدأ الأرض مقابل السلام.

الزيارة التي بادر إليها بيرس إلى الناصرة مرتبطة بخطّة الحكومة التي أقرّتها في منتصف آذار. وفقًا لإعلان وزير شؤون الأقلّيات، أڤيشاي براڤرمان، قرّرت الحكومة تخصيص 800 مليون شيقل لتطوير الوسط العربي، قرار وصفه البروفسور براڤرمان بأنّه "تاريخي". وفقًا لهذا القرار، سوف تُستثمر في السنوات الخمس القادمة، في عشر بلدات عربية مركزية يصل مجمل عدد سكّانها إلى حوالي 300 ألف نسمة (الناصرة، سخنين، شفاعمرو، أمّ الفحم، قلنسوة، المغار، طمرة، الطيرة، كفر قاسم، رهط)، مبالغ مالية إضافةً إلى الميزانية العادية، لرفع مستوى سكّان هذه البلدات إلى المستوى الإسرائيلي.

"وسيتم تخصيص 220 مليون شيقل لتطوير الأعمال الذي يشمل أيضًا استثمارًا في البنى الاقتصادية المحلّية وفي رفع مستوى وسائل المواصلات داخل البلدات وخارجها. وسيُستثمر مبلغ 100 مليون شيقل في تطوير أراضٍ للبناء المشبع في أراضي إدارة أراضي إسرائيل، وتُستثمر 316 مليون شيقل في الأراضي الخاصّة. بالإضافة إلى ذلك ستستثمر الحكومة 150 مليون شيقل إضافية في تفعيل خطّة "مدينة بدون عنف". (Ynet 18.3.10)

يدور الحديث عن مبلغ اقل بكثير مقارنة بوعد حكومة براك الذي لم ينفذ بتخصيص اربعة مليارات شيقل للوسط العربي، في اعقاب انتفاضة اكتوبر عام 2000. الخطّة الجديدة لا تستجيب لمتطلّبات الوسط العربي. حساب بسيط يبيّن أنّنا نتحدّث عن استثمار 650 مليون شيقل في البنى التحتية (150 مليون شيقل تُخصّص لتطبيق القوانين من قبل الشرطة في البلدات العربية) خلال 5 سنوات. هذا يُبقي مبلغ 150 مليون شيقل في السنة لعشر بلدات، أي 15 مليون شيقل لكلّ بلدة. مبلغ هزيل مقابل الحاجات الكبرى للوسط العربي.

في موضوع التعليم مثلا، يحتاج الوسط العربي الى أكثر من مليار شيقل كلّ سنة، كما جاء في التقرير الذي أعدته شركة "مودليم كلكلييم" تحضيرًا لمؤتمر هرتسليا الذي سيُعقد هذه السنة في الناصرة. التقرير الذي نشرته أورا كورين في ملحق هآرتس الاقتصادي "دي ماركر" (29.1.10)، يبيّن أنّ النفقات السلطات المحلّية العربية لتعليم الطالب العربي أقلّ بحوالي %45 بالمقارنة مع معدّل نفقات السلطات المحلّية اليهودية للطالب اليهودي. واستنتج مُعدّو التقرير أنّه من الناحية الاقتصادية، يجب تخصيص ميزانية للتعليم في الوسط العربي بنطاق يؤدّي إلى مساواته لمستوى الميزانية المخصّص في الوسط اليهودي. تكلفة مساواة النفقات للطالب في الجهاز التعليمي العربي تُقدّر بحوالي 1.2 مليار شيقل في السنة (حوالي 3600 شيقل للطالب في السنة، لحوالي 325 ألف طالب في الوسط العربي).

الخطة تقترح تخصيص 220 مليون شيقل لإيجاد أماكن عمل، ولكن الواقع ان الحكومة تواصل سياستها تشجيع البطالة بين العرب من أكاديميين وعمّال على حدّ سواء. لم يتطرّق الاقتراح إلى فشل الخطّة في زيادة نسبة المواطنين العرب في العمل في الوظائف الحكومية إلى %10 حتّى سنة 2012. في نقاش بادرت إليه جمعية "سيكوي" في نهاية شهر آذار، صرّح نادر القاسم، المسؤول عن التمثيل اللائق في الوظائف الحكومية: "أنّنا لن ننجح في تحقيق الغاية بتشغيل عرب بحيث تصل نسبتهم إلى %10 من الوظائف الحكومية حتّى سنة 2012". (Ynet 24.3.10)

قرار الحكومة لا يحمل أي جديد للعمال والعاملات العرب الذين بإمكانهم العمل في مجالات مثل البناء والزراعة. وكان بإمكان الحكومة اذا كانت تنوي فعلا تغيير سياستها تجاه العرب، ان تقرر وقف استيراد العمّال الأجانب الذين يعملون في الزراعة والبناء ومساعدة العجزة، وهو قرار لن يكلفها شيقل واحد، ولكنه يمكن ان يوفّر عشرات آلاف أماكن العمل للعاملات والعاملين العرب. غير ان الحكومة تختار عامدةً متعمدة ألا تقوم بأي تغيير في سياستها هذه.

الخلل الأساسي في الخطة الحكومية يكمن في أمرين أساسيين ترفض الحكومة التنازل عنهما: الأوّل، تقديس رأس المال الخاصّ وتقليص دور الحكومة في ادارة الاقتصاد؛ والثاني، التمسك بتفوق اليهود من ناحية الحقوق والامتيازات مما يكرّس دونية العرب. ليست هناك في إسرائيل اليوم قوّة سياسية واجتماعية بإمكانها القيام بالتغيير الجذري اللازم لتغيير الوضع. أصحاب رؤوس المال الكبار الذين استولوا على القطاع العامّ الإسرائيلي وهدموا في السنوات العشرين الأخيرة دولة الرفاه والعمل المنظّم، لن ينقذوا مئات آلاف العمّال الفقراء والأكاديميين العاطلين عن العمل في الناصرة ورهط.

في هذا الصدد نشير الى تقرير نشره قسم الأبحاث التابع لبنك إسرائيل في دي ماركر (7.4). يشير التقرير الى اتساع ظاهرة العمال الفقراء في اسرائيل، سواء العرب واليهود. بخلاف التوجّه القائل بأنّ الخروج إلى العمل يؤدي تلقائيا للخلاص من الفقر، يتضّح أنّ "الانضمام إلى دائرة العمل لا يضمن التخلّص من الفقر: أكثر من %60 من الفقراء- حوالي مليون نسمة- يعيشون في بيوت يعمل فيها أحد أفراد العائلة على الأقلّ. وتشير معطيات البنك أنّه في الوسط العربي حوالي نصف الفقراء يعيشون في بيوت يعمل فيها أحد أفراد العائلة بوظيفة كاملة." والحال اليوم ان الفجوات الطبقية في إسرائيل هي الأكبر مقارنة بالدول الغربية.

من الناحية العملية الخطة غير ذات قيمة، ويقتصر هدفها الأساسي في تذليل العقبات امام انضمام اسرائيل لمنظّمة التعاون والتنمية الاقتصادية الدولية OECD. التقرير الشديد اللهجة الذي عرضته OECD في بداية سنة 2010، أقرّ بأنّ السياسة الإسرائيلية تجاه المواطنين العرب هي سياسة تمييز وعدم مساواة. حسب التقرير، نسبة مشاركة المواطنين العرب في القوّة العاملة، ونسبة الفقر والاستثمار في البنى التحتية والتعليم والثقافة والمؤسّسات العامّة، هي انعكاس لمشكلة جذرية ينبغي معالجتها إذا رغبت إسرائيل في الانضمام إلى المنظمة الدولية.

انضمام إسرائيل لمنظمة OECD لن يعود بالفائدة على وضع العرب في إسرائيل، أو على وضع مئات آلاف الفقراء في هامش المجتمع اليهودي. براڤرمان يحاول إثارة اهتمام OECD بالوعد الذي يقضي بتخصيص 800 مليون شيقل للوسط العربي، لكن في اللحظة التي ستنضمّ إسرائيل فيها إلى المنظّمة لن يسأل أحد إذا كان هذا الوعد قد تحقّق أم لا.

قبل عشر سنوات انعقد في الناصرة مؤتمر قيسارية لرجال الاعمال تحت شعار دمج الوسط العربي في الاقتصاد الإسرائيلي. نقابة معا التي تظاهرت امام المؤتمر ادعت ان هذه وعود كاذبة، وان رأس المال الإسرائيلي لا يمكن ان يضمن مساواة العرب في النموّ الاقتصادي. اليوم يبدو واضحا ان العقد الاخير كان اضاعة لوقت ثمين في وعود لم تتحقّق وفجوات تتسع باستمرار. بدل النمو الاقتصادي نما في إسرائيل حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة افيغدور ليبرمان، الذي يعلن من مكانه في الحكومة أنّه يعارض الاستثمار في تطوير الوسط العربي.

لمنع ازدياد نفوذ القوى اليمينية والعنصرية في اسرائيل، امثال ليبرمان وغيره، علينا انتهاج طرق أخرى. بدل الاعتماد على أصحاب رؤوس الأموال الكبار وعلى وعود الحكومة النيوليبرالية التي تخدمهم، يجب طرح برامج للتغيير الاجتماعي الجذري، يكون من شأنها ضمان مستقبل افضل للعرب واليهود على حد سواء، يختلف عن ذلك الذي تعدهم به إسرائيل ذات التوجه الرأسمالي والعنصري.

اضف تعليقًا

ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.

الاسم

البريد الالكتروني

العنوان

موضوع التعقيب

تعليقك على الموضوع

Home نسخة للطباعة