كلمات للبحث

يافا, عجمي

شؤون محلية

إسكندر قبطي يمثّل من؟

يعقوب بن افرات

"أنا لا أمثل اسرائيل"، كان رد مخرج فيلم "عجمي"، إسكندر قبطي، عندما سئل عشية حفل الاوسكار عن شعوره وهو يمثل الوفد الاسرائيلي. ما كان التصريح ليكتسب الأهمية الكبرى التي اكتسبها، لولا الأمل الكبير الذي وضعه الجمهور الاسرائيلي بإمكانية فوز الفيلم بجائزة الاوسكار لأفضل فيلم أجنبي. لقد حظي الفيلم بتعليقات ايجابية جدا في وسائل الاعلام، وفاز بجائزة أوفير (أي الاوسكار الاسرائيلي)، مما يدل على دعم المؤسسة الثقافية الاسرائيلية للفيلم. ولا شك ان "عجمي" هو فيلم رائع يستحق الوصول الى هوليود ومنافسة افضل الافلام في العالم.

رغم انكار قبطي، الا ان "عجمي" هو فيلم اسرائيلي. وليس ذلك لأن الانتاج اسرائيلي، بل لأنه يتعامل مع الواقع الاسرائيلي ويفتح الجروح التي تميز هذا المجتمع. ان التمييز ضد العرب هي ميزة اسرائيلية، وتهميش "المدن المختلطة" هو ايضا ميزة اسرائيلية، حتى اللغة العربية-العبرية التي تحدث بها سكان الحي العربي هي "اسرائيلية"، ومن هنا اهمية الفيلم الذي لا تقل رسالته السياسية أهميةً عن قيمته الفنية. ان قوة هذا الفيلم لا تكمن في كونه يهوديا او عربيا، بل في كونه اسرائيليا بمعنى انه يمزج بين المجتمعين اليهودي والعربي ضمن سرد روائي موحد ويعكس بذلك الواقع الاسرائيلي الحالي.

عندما بدأ قبطي عمله الفني قبل عدة سنوات، كان هدفه الكشف عن وضع المجتمع العربي في بلده ومسقط رأسه يافا. أراد ان يُظهر للعالم الدرَك الذي وصلته يافا اليوم، والذي تعود جذوره الى يوم اغتصب الاحتلال أرضها عام 1948. ولكن "عجمي" ليس فيلما وثائقيا بل نوعا من الخيال الواقعي، وكان لا بد من إدخال الرواية اليهودية لكي يكتسب الفيلم شموليته، وتعطي قضية العجمي السياق السياسي الاوسع. انه فيلم جدلي بكل معنى الكلمة، فهو يتعامل مع النزاع بين الشعبين ومع النزاعات الداخلية التي يواجهها كل شعب على حدة.

ان هذا الفيلم ليس اسرائيليا لأنه حصل على تمويل من قبل "صندوق السينما الاسرائيلي"، بل لأنه كان موجّها أولا وأخيرا للجمهور الاسرائيلي. لقد وصل هذا الفيلم الى هوليود لانه كما أشرنا حاز على إعجاب الجمهور الاسرائيلي الذي تدفق لقاعات السينما في كل انحاء البلاد لمشاهدته، وهو الفيلم الذي رشّحته اسرائيل لتمثيلها في هوليود. لأول مرة منذ قيام اسرائيل قبل 60 عاما، يتم اختيار فيلم يتعامل مع واقع المواطنين العرب، الامر الذي يدل على نوع من اعتراف المؤسسة الاسرائيلية ليس بقدرة وإبداع المخرج فحسب، بل بقضية الفلسطينيين داخل اسرائيل وبمطالبهم في الاعتراف بحقوقهم القومية والمدنية.

من الممكن نفي هذا التحليل، والادعاء بالمقابل ان هذا الاختيار كان مقصودا، وهدفه تبييض وجه اسرائيل القبيح امام العالم، وان وصول هذا الفيلم الى هوليود لم يكن اكثر من مناورة سياسية كان اسكندر قبطي ضحية لها، هدفها إظهار ليبرالية اسرائيل والديموقراطية الاسرائيلية التي سمحت لفيلم "عربي" ان يمثلها في حفل هام من هذا القبيل، ومن هنا الاستنتاج بانه كان مفروضا على قبطي إفشال المناورة والتخلي التام عن اية علاقة باسرائيل. هذا مثلا موقف الحركات ضد التطبيع ومن اجل المقاطعة الثقافية على اسرائيل، التي تلوم كل من يتعامل مع المؤسسات الاسرائيلية بغض النظر عن طبيعتها، وتتهمه بالخيانة.

اسكندر قبطي لم يطلب ان يكون سفير اسرائيل الثقافي في العالم، وهو ليس مسؤولا عن اختيار المؤسسة الاسرائيلية لفيلمه كمرشح للاوسكار، ومن هنا يحق له رفض تمثيل اسرائيل اذا شعر بان اسرائيل لا تمثله. ولكن مع ذلك، ورغم ان قبطي لا يمثل اسرائيل، الا ان فيلمه يمثّلها كونه وثيقة فنية اصلية تعبر عن الواقع الاسرائيلي المركّب. ان رؤية اسرائيل من منظور فلسطيني يافي يذوق التمييز يوميا، هي التي تمنح الفيلم "اسرائيليته"، بمعنى انه يعكس الواقع الاسرائيلي بكل بشاعته التي تظهر في كل لقطة وكل مشهد من هذا الفيلم العظيم الذي تم انتاجه بالتعاون بين فنان يهودي وعربي مما يزيده مصداقية.

اضف تعليقًا

ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.

الاسم

البريد الالكتروني

العنوان

موضوع التعقيب

تعليقك على الموضوع

Home نسخة للطباعة