تاريخ النشر ٢٥/٠٢/٢٠١٠

ثقافة

عندما يكسر الفن الأسوار الفاصلة

روني بن افرات

نسرين ابو بكر

مرة في السنة، في شهر كانون الثاني، يجتمع فنانون يهود وعرب مع عاملات زراعة عربيات. يتم اللقاء ضمن معرض "خبز وورود" الذي تبادر اليه نقابة معًا للسنة الرابعة على التوالي. هذا العام شارك نحو 250 فنّانًا، منهم 30 فنانا عربيًا. وقد اضطر نشيطو النقابة لرد اقتراحات فنانين كثيرين طلبوا المشاركة في المعرض، وذلك بسبب النقص في الأيدي العاملة التي نظمت المعرض. وصلت قيمة المبيعات في يوم واحد إلى 80 ألف دولار، سيرصد 75% منها لتمويل مشروع فتح اماكن عمل في الزراعة للنساء العربيات. وقد تم بيع اكثر من نصف الاعمال الفنية حتّى الآن، ويتوقع المنظّمون أن يُباع المزيد. لمشاهدة اللوحات زوروا الموقع الخاص بالمعرض

نقابة معًا تعمل بدأب على خلق نقاط الالتقاء بين العرب واليهود سواء في اماكن العمل او في الاطر الشبابية والنسائية. في هذا يقول منظم المعرض نير نادر، وهو فنان ومسؤول فرع معا بتل ابيب: "لن نتمكّن من اعادة بناء المجتمع وإرساء عدالة اجتماعية حقيقية فيه إذا لم نبدأ بإزالة أسوار الفصل القائمة داخلنا".

وفاء طيارة في افتتحية معرض "خبز وورود"

مها يحيى من كفر قرع، تعمل منذ ثلاث سنوات في اطار مشروع التشغيل الذي تنظمه نقابة معا. معا التي تنظم عمالا عربا ويهودا للدفاع عن حقوقهم، تمكّن مها وزميلاتها من العمل مقابل الحد الادنى للاجور ومع كامل الحقوق الاجتماعية. لأول وهلة، يبدو المبلغ زهيدا، ولكن لو عملت مها بالظروف التي تعمل بها اغلبية النساء العربيات، أي بواسطة "رئيس" او مقاول فرعي، لحصلت على ثلثي هذا الاجر بينما يذهب الثلث الآخر للرئيس، دون ان تحصل على قسيمة اجر او أي حق من حقوقها الاجتماعية. شاركت مها في وفد عاملات الزراعة المنظمات في معا الذي زار المعرض، وتأملت مئات اللوحات التي كانت معلقة بكثافة على الجدران. هذه المرة الاولى بالنسبة لها التي تزور فيها معرضا فنيا. ولكن اتضح انه كان لها اضافي للانفعال، كما افصحت لي، وهو انها نفسها تهوى الرسم.

برز من بين الزوّار الذين يقارب عددهم حوالي ألف، رجل الاقتصاد ووزير شؤون الأقلّيات أڤيشاي براڤرمان. "هذا ليس صدفة"، يقول نادر. نشهد هذه السنة اهتماما اكبر في الرأي الام لموضوع البطالة المنتشرة في الوسط العربي في إسرائيل. إسرائيل معنية بالانضمام إلى منظمة الدول المتطورة OECD، لكنّ المشاركة المتدنّية في سوق العمل تشكّل حجر عثرة امام تحقيق هدفها هذا. كان براڤرمان أحد أعضاء الطاقم الذي أجرى المفاوضات مع المنظّمة الدولية، وهو يعلم علم اليقين أنّ المشاركة الضئيلة للنساء العربيات في سوق العمل (%18.6) هي أحد أسباب رفض المنظمة انضمام إسرائيل اليها حتى الآن".

وصلت قيمة المبيعات في يوم واحد إلى 80 ألف دولار، سيرصد 75% منها لتمويل مشروع فتح اماكن عمل في الزراعة للنساء العربيات

هل الأقوال الواضحة التي قالتها وفاء طيارة، عاملة زراعة سابقًا ومركّزة فرع باقة الغربية حاليًا، سيدركها في نهاية الأمر صُنّاع القرار في البلاد؟ هناك أمر واحد واضح تمامًا؛ احد من زوار المعرض الستين الذين تجمعوا حولها للاستماع إليها، لم يبق ازاء أقوالها لا مباليا.

قالت وفاء: "اسمي وفاء طيارة وكنت عاملة زراعة. عانيت من جميع أنواع الاستغلال في العمل في فرع الزراعة. انضممت إلى نقابة معًا، وفي الوقت الحالي أنا مسؤولة فرع النقابة في باقة الغربية، ومهمتي الاساسية تجنيد وتشغيل عاملات الزراعة في المثلث.

"باسم مئات عاملات الزراعة من كفر قرع وباقة وكفر مندا وطمرة، أشكر جميع الفنانين والفنانات الذين تبرعوا بأعمالهم الفنية للمعرض. اتضح لنا من دعمكم أنه لا ينبغي أن تكونوا عاملي زراعة لدعم مطالب عاملات الزراعة للعمل المنصف. ليس من السهل إيجاد أماكن عمل منظمة للنساء بسبب استيراد العمال الاجانب الارخص. هؤلاء العمال مستغلون أيضًا، لكن بسبب أجورهم المنخفضة فالمنافسة معهم مستحيلة. هناك حاجة لجهد كبير لإقناع مستخدِم بقبول عاملة محلية مقابل 20 شيقل في الساعة في حين أنه يشغل عاملاً تايلانديًا مقابل 13 شيقل في الساعة.

"ما يمنحنا القوة لمواصلة الطريق هو علمنا بأن كل مكان عمل ننجح في خلقه، ينقذ امرأة وعائلتها من الفقر ومن الاستغلال في العمل من قبل رؤسائها. عن طريق نقابة معًا تتقاضى العاملة 160 شيقلا ليوم من ثماني ساعات بالإضافة للحقوق الاجتماعية؛ بينما عن طريق الرؤساء تتقاضى النساء 100 شيقل فقط ودون اية حقوق.

"تُكثر الحكومة من الحديث عن الحاجة لتشجيع النساء للخروج إلى العمل، لكنها عمليًا تواصل استيراد العمال الأجانب، وعمليًا تمنح الحكومة دعمًا للمزارعين على حساب النساء العربيات، وتتهمنا في الوقت نفسه بأننا لا نريد العمل. نحن أكبر برهان على أن النساء العربيات يردن العمل، إذا دفعوا لنا ما نستحقه واعترفوا بحقوقنا.

"لا نريد أن نكون أيدي عاملة مؤقتة وغير منظمة يستغلوننا أو يفصلوننا حسب الحاجة. نريد أن يقدّروا عملنا ويدفعوا مقابله. العمل يهمنا أولاً من أجل كسب الرزق، فدون العمل لن ننجح في الخروج من دائرة الفقر. لكن بالإضافة إلى ذلك، يفتح العمل أمامنا عالمًا جديدًا ويخرجنا من عزلة البيت ويتيح لنا فرصة أن نكون عنصرا فاعلا في المجتمع. إلى جانب العمل وفّرت لنا معًا بنية تحتية لتثقيف النساء وتوسيع آفاقهن وتمكينهن. نحن نريد الخبز ولكننا نريد الورود أيضًا".

نعومي ليشم هي فنانة ومصورة وحائزة على جائزة كونستنتينر للتصوير من متحف تل أبيب لسنة 2009. هذه ليست المرة الأولى التي تشترك فيها، وكان بين المستمعين لوفاء. تقول نعومي: "معرض "خبز وورود" يختلف عن جميع المعارض التي شاركت فيها (تعرض ليشم في هذه الأيام معرضًا في متحف تل أبيب ومعظم أعمالها الفنية معروضة خارج البلاد). فكرت في ذلك عندما سمعت عن المعرض وقررت المشاركة فيه، واليوم تأكد شعوري. شعرت بأن الكل يشارك في المعرض بروح صافية ونوايا حسنة، سواء المنظمين أو الفنانين المشاركين. هناك شعور بالرغبة في العطاء والمساعدة، وهذا ما جعلني أسأل نفسي – هل انا اتطوع بما فيه الكفاية؟

"في المعرض وجدت قناة جديدة للتطوع من اجل المجتمع. المعرض وما يمثله ملائم لافكاري السياسية والاجتماعية، وهو فرصة بالنسبة لي للمساهمة في امور اومن بها. احيانا ينتابني الشعور بان عالم الفن منغلق على نفسه، ولكن هنا يمتزج الفن بالمجتمع. حفل الافتتاح هذه السنة كان مختلفا عن احتفالات السنوات السابقة، وهذا اثار مشاعري. في نفس الامسية اتصلت باصدقاء لي في الخارج يعملون على عرض اعمالي، وحدثتهم عن المعرض. اردت ان يعرفوا بوجود هذا المشروع".

نير نادر شرح سبب الرواج الذي يشهده المعرض في صفوف الفنان والرأي العام عموما: "ليس هناك أي طرف تجاري وراء المشروع. ليست هناك مصالح اقتصادية وكل الربح يذهب لمن هو بالفعل بحاجة له". نقابة معا تنشط بشكل مكثف بين الفنانين والمعاهد الفنية. معظم الفنانين ليسوا اغنياء، بل يعملون بعدة اعمال، يتراكضون بين المعاهد المختلفة للوصول الى اجر كريم يعيشون منه خلال الشهر، وفي نفس الوقت يسعون جاهدين لابقاء بعض الوقت للابداع. هذا السبب الذي جعل منظمي المعرض يقررون اعادة 25% من قيمة المبيعات للفنانين الذين بيعت اعمالهم.

معا تمثل فنانين في المجال النقابي ايضا، وتهتم بان يكون لهم برنامج تقاعدي ملائم. سألت الفنان أسد عزي عن الدافع الذي يجعل فنانا عربيا بارزا، نظم اكثر من خمسين معرضا فرديا، ومئة معرض جماعي، وحاز على عدد لا يحصى من الجوائز، يشارك في المعرض، فقال: "رغم ان الشهرة التي حظيت بها بمرور السنين، انا لا ازال اعيش من الحد الادنى للاجور. حتى المبيعات ليست بالدرجة المطلوبة، مما يعني انني عمليا فنان فقير، واعيش في بيت متواضع في مدينة يافا. مع هذا، لدي موقف اخلاقي ومسؤول تجاه المجتمع الذي اعيش فيه. التضامن الانساني مهم بالنسبة لي ولذلك اشارك في المعرض". العمل الذي قدمه عزي بيع قبل افتتاح المعرض.

داني بن سمحون، فنان وشريك في تنظيم المعرض، ونقابي في معا مسؤول عن مشروع التشغيل، تطرق للزيادة الملحوظة في عدد الفنان العرب الذين شاركوا في المعرض. الاستجابة قاربت ال100%. "هناك فنانين كثر يشاركون اربع سنوات على التوالي، ويعتبروننا عنوانا وجسرا للوسط الفني في تل ابيب. بالنسبة لبعضهم، المعرض السنوي الذي تنظمه معا هو الذي عرّف جمهور جامعي الاعمال الفنية الذين يحضرون المعرض سنويا. البعض الآخر من الفنانين العرب معروفون، ولكنهم سعداء بالمشاركة في المشروع. يجدر الذكر ان 85% من اعمال الفنانين العرب قد بيعت خلال المعرض، الامر الذي يبعث على السرور ويدل على الاهتمام الذي يثيرونه حول مساهمتهم الفنية".

بن سمحون تطرق الى التنوع في الجمهور الذي اشترى اللوحات: "الى جانب جامعي الاعمال الفنية المعروفين، وصل هذه المرة الى المعرض عدد كبير من هواة الفن الذين اشتروا اعمالا فنية لأنفسهم. قيمة الاعمال التي تراوحت بين خمسين دولارا و5000 دولار، فتحت المجال لجمهور متنوع ان يشتري حسب امكانياتهم".

في حفل افتتاح المعرض برزت كلمات عودد يدعيا، مدير كلية الفنون "منشار" التي تستضيف المعرض للسنة الثالثة على التوالي. "منشار" ليست فقط القاعة التي استضافت المعرض، بل ايضا المكان الاول الذي استجاب للتحدي الذي وضعته نقابة معا امامه، وحسّن ظروف عمل المحاضرين فيه. حول هذا قال المدير يدعيا: "في البداية خشيت من الدخول في مفاوضات مع طرف نقابي يمكنه ان يحدث جلبة وفوضى في الكلية، ولكن سرعان ما اكتشفت ان معا هي نقابة مسؤولة، تفضل الحوار على المواجهة من اجل صالح العاملين والادارة".

الفنانة تامي بركاي كانت الشخصية التي عملت بدأب واخلاص من اجل انجاح المعرض. خلال اشهر التقت بالفنانين، اقنعتهم بالانضمام للمشروع، وفي نفس الوقت عملت على تنظيم البنية التحتية الادارية للمشروع. امام زوار المعرض قالت بركاي: "مع انني وُظّفت للعمل على تنظيم المعرض، الا انني لم استطع ان اتجاهل ما كان يحدث حولي في مكتب معا في تل ابيب: حملة لتنظيم سائقي الشاحنات، لقاءات مع عمال وفنانين بموضوع التقاعد، مونتاج لفيلم عن خطة "ويسكونسين".

بركاي تحدثت بتقدير عال عن التعاون وروح العطاء الذي حظيت بهما من جميع الاطراف: "عمّمنا دعوة للحصول على متطوعين للمساعدة في تنظيم المعرض، تعليق الاعمال وتفكيكها. الكثير من الفنانين استجابوا. وكذلك جامعي اعمال فنية شاركوا بشكل فعال واهتموا بدعوة جامعين آخرين لحضور المعرض واقناعهم بشراء الاعمال. بعض الفنانين اعربوا عن استعدادهم ان يخفضوا سعر اعمالهم فقط من اجل معا. يؤسفني فقط انه بسبب قلة الموارد اضطررنا ان نرفض طلب الكثير من الفنانين الذين رغبوا بالمشاركة ولم يتسع المجال لذلك".

نقابة معا شاركت مع جمعية "سنديانة الجليل" في اصدار رزنامة تشتمل على صور ل12 عملا فنيا لفنانات عربيات ويهوديات، شاركن في معرض "خبز وورود" عام 2008. للمشاهدة وشراء الرزنامة يرجى الضغط هنا.

اضف تعليقًا

ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.

الاسم

البريد الالكتروني

العنوان

موضوع التعقيب

تعليقك على الموضوع

Home نسخة للطباعة