كلمات للبحث
معرض فني في صالة العرض بطمرة
"لست إنسانا ولا ملاكا"
قدم صالة العرض البلدية بمدينة طمرة هذه الايام وحتى آخر حزيران معرضا للمنحوتات بعنوان "لست إنسانا ولا ملاكا". يشارك في المعرض تسعة فنانين عرب ويهود من منطقتي المركز والجليل هم: خليل ريان, لويس مارك, مايكل لازار, نبيل عساقلة, ناديا جابر, أورنا لوتسكي, سناء فرح بشارة, حاتم عويضة ونهاد ضبيط. وقد كان لافتا الجمهور الكبير الذي أمّ حفل الافتتاح من محبي الفن في المنطقة، من كبار وشباب، طلاب فن وفنانين، اضافة للزوار من تل ابيب والقدس.
يتمحور المعرض حول علاقة الفنان بجسم الانسان، ويقدم اعمالا متنوعة وغنية بالمضامين والتقنيات. فقد استخدم في الاعمال البرونز والنحاس، تقطيع الحديد بواسطة اشعة ليزر، نحت تقليدي على جذوع شجر الزيتون، على الحجر والرخام، وتقنيات اخرى.
المشرف على المعرض الفنان احمد كنعان، مدير صالة العرض للسنة الخامسة على التوالي، يؤكد الطابع التربوي للمعرض واهمية عرض جسم الانسان بشكل فني. اسم المعرض "لست انسان ولا ملاكا" يلمح الى التعقيد في الموضوع، وذلك بسبب نهي الدين اليهودي والاسلامي عن تصوير جسم الانسان او صنع تماثيل على شكله. لدى انتقاء الاعمال الفنية أُخذ هذا الامر بالحسبان، فليس بين الاعمال ما ينسخ بدقة واقعية شكل الجسد. بهذا الشكل يسعى كنعان لتمكين زائري المعرض من التغلب على الحاجز الديني وزيارة المعرض.
خليل ريان من طمرة معروف بكونه فنانا تشكيليا، ولكنه في هذا المعرض يقدم منحوتات برونزية مثيرة. ريان يقدم جسد المرأة بشكل مجرّد، كأشكال مستديرة توحي بحركة متماوجة غامضة، ويدخل موضوع الامومة من خلال التلاعب الفني بالفجوات داخل التمثال.
الفنانة اورنا لوتسكي تشارك في المعرض بمجموعة من التماثيل كلها لجسد امرأة مصنوع من مسطح معدني مقطع بتقنية اشعة الليزر. شكل المرأة يكرر نفسه ولكن في كل مرة يظهر بوضعية مختلفة وينقل رسالة مختلفة. الاسماء التي اطلقتها الفنانة على اعمالها مثل "بيت"، "مفتاح"، تشير الى ان الامر الاساسي الذي يشغل الفنانة هو العبء الذي تتحمله المرأة، والصراع بين رغبتها في بناء بيت وعائلة واولاد وبين الحاجة للخروج، التعلم، العمل وتحقيق ذاتها.
ولعل ما ينقل هذه الرسالة بشكل جيد هو العمل المسمى "سكين"، وهو يشمل شكلين لامرأتين تقفان على طرفي سكين. في هذا العمل بُعد اضافي وهو تحويل المرأة الى اداة تتأرجح بين العمل الذي لا ينتهي وبين الحب والعطاء. تقول لوتسكي: "هذا هو التناقض الذي تواجهه كل امرأة، سواء كانت ربة بيت، عاملة في مصنع، معلمة او مديرة بنك. كلهن مضطرات لمواجهة التناقض اليومي بين طموحاتهن وبين الاعراف الاجتماعية التي تفرض عليهن واجبات معينة".
تبرز في المعرض الاشكال الخشبية المتعرجة التي يقدمها نبيل عساقلة وناديا جابر من المغار. العمل هو عبارة عن مجموعة من ست منحوتات من خشب شجر الزيتون. بعض المنحوتات تبدو كشكلين متداخلين على نحو يصعب التفريق بينهما. بعضها الآخر تجريدي، يبدو وكأنه يأسر التجويفات داخل الخشب. بعضها انفصل عن العمل الكامل، وتترك المجال للمشاهد لتجميع اجزائه من جديد. اعمال اخرى للفنانين تبدو كانعكاس لنفسية الانسان.
البُعد الرمزي لشجر الزيتون في المجتمع العربي امر معروف. المنحوتات تنقل صرخة صامتة، صرخة الاقتلاع، وصراع البقاء. لذا تثير هذه الاعمال الاحساس بانك امام ارواح هائمة. فالعمل عبارة عن محاولة من الفنانين للجمع بين عوالم مختلفة، بين الماضي، الحاضر والمستقبل، بين الفن والجمهور، وبين الكلاسيكي والمجرّد.
يدرس عساقلة وجابر الفن والآداب في فرع كلية تل حاي بالمغار. عمل عساقلة على الآلات الثقيلة وفي مجال البناء، وكان منشغلا في بناء بيت وتكوين اسرة واعالة اولاده الاربعة، وكان الفن بالنسبة له مجرد هواية. قبل سنوات قليلة فقط بدأ دراسة الفن وممارسته. شارك عساقلة في عدة معارض في المغار، مهرجانات النحت في بتاح تكفا وبيت جن وفي مركز يجآل الون. اما بالنسبة لجابر فقد كانت عودتها المتأخرة للفن عبارة عن استكمال لمشوارها التعليمي الذي بدأ في "فيتسو" ولعملها في مجال تصميم الازياء.
يقول عساقلة وجابر ان العمل المشترك بينهما بدأ في السنة الاولى لدراسة الفنون في كلية تل حاي، عندما اكتشفا انجذابهما لنفس الموضوع. العمل كان مشتركا من كل النواحي، بدءا بالتفكير وحتى التنفيذ. يشمل العمل عدة مواضيع منها العلاقة الزوجية والتي تتجلى في التماثيل بالاحتضان والرقص. عساقلة يؤكد ان "العمل لا يعكس الجانب الرومانسي للعلاقة الزوجية بل الثقافية الحضارية ايضا".
"اشجار الزيتون قريبة منا عاطفيا وجسديا"، يقول عساقلة للصبار. انها المناظر الطبيعية التي تحيط بنا، وهي متوفرة كمادة خام نستعملها في العمل الفني. العمل بالخشب صعب، ولكن النتيجة جميلة. في شجر الزيتون حياة اكثر من اي شجر آخر، وهي تلهمنا في عملنا في عدة اتجاهات الى درجة يمكن ان تثير البلبلبة في بعض الاحيان. اردنا ان يكون العمل النهائي فنا رفيعا وفي نفس الوقت ان ينجح في التواصل مع الجمهور الواسع. لذلك بلورنا اسلوبا يجمع بين العصري المجرد وبين الكلاسيكي، ووجدنا الطريق الوسط بين النحت الحقيقي والحي وبين المجرد البعيد عن الناس".
بالاضافة الى المعارض تنظم صالة العرض نشاطات تربوية على اساس التعاون مع مدارس المنطقة. كل اسبوع يحضر الصالة نحو مئة من الطلاب الابتدائيين او الثانويين، ويستمعون الى شرح عن المعرض والفنانين المشاركين فيه وتقنيات عملهم، واحيانا يشاركون في ورشات فنية حول موضوع الاعمال الفنية المعروضة. يشير كنعان بأسف الى انخفاض عدد الطلاب المتوجهين للصالة بسبب ان بعض الطلاب لا يملكون ال5 شواقل للمشاركة في الورشات الفنية، ولان المدارس لا تملك الميزانيات لتمويل الورشات والسفريات.
ولكن هناك ايضا انجازات. في السنة الاخيرة، يقول كنعان، نشأت ظاهرة لمحبي الفن في طمرة الذين يترددون بانتظام على المعرض. هناك ايضا مجموعات من محبي الفن من انحاء مختلفة من البلاد، الذين يزورون المعرض كجزء من برنامج زياراتهم للجليل. تصل الصالة حافلات من بات يام، معهد "سمينار الكيبوتسيم"، القدس، طلاب فنون، فنانون، سواح وافراد.
بالنسبة لغلبية هذا الجمهور تكون هذه المرة الاولى التي يزورون فيها بلدة عربية ويتعرفون على الثقافة والفن الحديث فيها. الكثير من الفنانين والزوار يفاجؤون بمدى فاعلية المعرض والحياة الثقافية الغنية في البلدة، وبعضهم يتحول الى شريك فعلي في بناء وتفعيل صالة العرض. مؤخرا، زارت المعرض مجموعة زوار من كريات بياليك المجاورة، ودهشوا لما رأوه من مستوى فني عالي. طمرة قائمة على بعد امتار معدودة عن بيوتهم، ولكنهم لم يعرفوا عنها شيئا. هكذا يتحول الفن الى وسيلة لمحاربة الافكار المسبقة والتقريب بين العرب واليهود.
اضف تعليقًا
ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.