كلمات للبحث

نضال نقابي, مصر


تاريخ النشر ٢٧/٠٥/٢٠٠٩

شؤون عربية

موظفو الضرائب العقارية بمصر يعلنون تأسيس اول نقابة مستقلة

سامية ناصر

لا شك انه حدث جلل، نجاح موظفي الضرائب العقارية في تأسيس اول نقابة عمالية مستقلة عن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر. فلاول مرة منذ نصف قرن نجح العاملون بالضرائب العقارية في انتزاع حقهم بتأسيس نقابتهم المستقلة. فبعد اعلانها في شهر كانون اول (ديسمبر) 2008 تم اشهارها قانونيا في 21 نيسان (ابريل) الماضي.

جاء إشهار النقابة بعد سلسلة من الاعتصامات والاضرابات التي أسفرت عن موافقة وزير المالية على التفاوض مع منظمي الاضراب وتحقيق مطالبهم، وعلى رأسها تحسين ظروف عملهم اسوة بزملائهم التابعين لوزارة المالية وإلحاقهم بالوزارة.

يشار الى ان الدولة في هذه الحالة هي صاحبة العمل وفي نفس الوقت المسيطرة على النقابات الرسمية، مما يفرغ العمل النقابي من أي قيمة. من هنا اهمية تأسيس نقابة مستقلة يمكنها فعلا الذود عن حقوق العاملين.

عماد السيد شعبان، احد العاملين بالضرائب العقارية بالدقلهية قال انه: "عقب انتهاء الاعتصامات يوم 3 ديسمبر بدأ التفكير بضرورة انشاء نقابة مستقلة تدافع عن حقوقنا بعد ان اثبتت الاحداث تخاذل النقابة العامة للبنوك والتأمينات والتي وقفت ضدنا طوال الوقت. واليوم يعدّ يوما تاريخيا سيغير من خريطة مصر لانه يوم انشاء نقابة مستقلة بعيدا عن هيمنة الجهات التي تقوم بخنق العمل النقابي. فاليوم سيجد عمال الضرائب العقارية من يدافع عنهم امام الجهات الحكومية واصحاب العمل". (موقع 20at)

في بيان "اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات" جاء ان "ميلاد هذه النقابة ليس مجرد اعلان عن كيان تنظيمي جديد ينضم للتنظيمات المصرية، لكنه تعبير عن انتصار جماعي ونقابي وسياسي بالغ الاهمية، لما يحمله من مضامين نضالية عكست كفاح تنظيمات العمال والموظفين خلال ثلاث سنوات من اجل مساواتهم بزملائهم في الضرائب العامة وتصحيح وضعهم المالي بنقلهم الى وزارة المالية". واعتبرت اللجنة ان تاريخ إشهار النقابة قد "حُفر في ذاكرة الطبقة العاملة المصرية، لانه اعاد للطبقة العاملة حقها في انشاء النقابات دون اذن من الدولة، وهو الحق الذي ضاع من العمال منذ الخمسينات بانشاء كيان نقابي مستقل يعبر عنهم".

انجاز كبير حققته النقابة الحديثة هو قبول طلبها والاعتراف بها من قبل الاتحاد الدولي لنقابات العاملين في الخدمات العامة (PSI )، وذلك بقرار من هيئته التنفيذية التي التأمت في مقرها بمدينة نيون بسويسرا في آذار الماضي. المفارقة ان الهيئة الدولية ذاتها قد رفضت في السابق عضوية التنظيم النقابي الموالي للنظام في مصر، لعدم استيفائه شروط الاستقلال عن الدولة والشفافية والديمقراطية.

نضالات حتى النصر

تعتبر حركة موظفي الضرائب الاكبر في مصر، اذ تضم 55 الف موظف موزعين في كل انحاء الجمهورية. بدأت الحركة على اثر انتخابات النقابات العمالية قي تشرين اول (اكتوبر) وتشرين ثان (نوفمبر) 2006، عندما حاولت النقابة العامة للعاملين بالبنوك والضرائب حرمان ابرز قيادات العمال من خوض الانتخابات. بين هؤلاء القادة كمال ابو عيطة (رئيس النقابة الجديدة المؤقت)، الذي استطاع خوض الانتخابات بموجب قرار قضائي مستعجل، غير ان عمليات التزوير حالت دون نجاحه رغم شعبيته بين زملائه.

وكانت نتيجة هذه الانتهاكات ان توطدت الصلة بين موظفي الضرائب، فاتفقوا على تنظيم صفوفهم. بدأت المعركة بالاحتجاج المباشر على انعدام المساواة بينهم وبين اقرنائهم الخاضعين لوزارة المالية. وقد خاض الموظفون معركتهم بشكل راق وديمقراطي، اذ تم تشكيل لجنة عليا للاضراب لتمثل ديمقراطيا كل المحافظات التي ينتشر بها الموظفون. ونظمت اللجنة الاضراب في كانون اول 2007 الذي كانت نتيجته علاوة كبيرة في الاجور، وصاغت المطالب وتفاوضت مع وزير المالية، ويعتبر رضوخه لمطالبها اعترافا ضمنيا بشرعية اللجنة.

تحقيق مطالب لجنة الاضراب كان مقدمة لانشاء النقابة، فقد لجأ الموظفون الى جمع 22 الف توقيع من 25 محافظة لانشاء نقابة موازية للنقابة الرسمية. وتضم النقابة الجديدة 27 الف موظف من اصل 55 الفا يعملون في مصلحة الضرائب العقارية. كمال ابو عيطة، الرئيس المؤقت للنقابة وكبير مؤسسيها، قال لموقع "الكاتب" الالكتروني (22/4): "ان تأسيس النقابة المستقلة جاء استنادا الى ارادة موظفي الضرائب العقارية الذين ثابروا وكافحوا حتى زادت رواتبهم اربعة اضعاف في عام واحد".

يذكر انه منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وضعت الحكومة النقابات تحت سيطرة الدولة، كما تم حظر وتحريم تأسيس أي نقابة مستقلة بحجة القانون، وخاصة الاتحادات العامة العمالية والنقابية، وتم التعامل بيد من حديد مع العديد من التجارب التي حاولت تجاوز هذا الحظر.

ولم ينجُ موظفو الضرائب ايضا من قمع السلطات التي ناشدوها لتحقيق مطالبهم، فقد تعرضوا للقمع وللتحقيق في مباحث امن الدولة. ورغم كل هذا تم للعاملين بفضل اضرابهم وتحركهم النضالي، تأسيس نقابتهم المستقلة وان يضعوا نظامها بانفسهم، وحددوا طريقة بنائها، مواعيد انتخابها واسلوب عملها وفقا لمصالحهم واحتياجاتهم.

موقف الموظفين المتماسك والرافض للمساومة على حقوقهم المشروعة جعل رئيس الاتحاد العمال الرسمي، حسين مجاور، يعلن عن موافقته على انشاء نقابة عامة لموظفي الضرائب العقارية وضمها لاتحاد النقابات. غير ان موظفي الضرائب رفضوا ضم نقابتهم للاتحاد العام. وقد فسر النقابي كمال ابو عيطه الرفض بالقول انه يهدف الى "اعادة ربطنا مرة اخرى بالتنظيم الحكومي التابع للحزب الحاكم، ونحن نرفض ان نكون تابعين لاي حزب". (موقع ابتسامة 24 ابريل)

دلالات المعركة

يأتي هذا التحرك النقابي على خلفية الغليان الشعبي والنهضة الشعبية العمالية التي تشهدها مصر في السنوات الاخيرة. ويشهد الكثير من المصانع ومواقع العمل المختلفة من جامعات ومستشفيات احتجاجات متوالية، على تطبيق مصر لنموذج السوق الحرة من خصخصة وامعان في استغلال الايدي العاملة، مما زاد معدلات البطالة والفقر والفجوات الاجتماعية القائمة اصلا. وقد بلغت الامور ذروة خطيرة مع انفجار ازمة الغذاء العالمية التي ضربت دول العالم الثالث بما فيها مصر، مما اخرج الناس الى الشوارع وتحديدهم نظام مبارك كمسؤول عن الحال التي آلوا اليها.

وكان من ابرز التحركات ما وقع العام الماضي في 6 ابريل من تحرك جماهيري بين عمال النسيج في المحلة الكبرى، ضد السياسات الظالمة والسعي الواضح للتنظيم النقابي المستقل، والمطالبة بتعديل الاجور وتحسين ظروف العمل وخفض اسعار السلع. واضطرت الحكومة للموافقة على بعض من هذه المطالب تحت ضغط الاعتصامات والاضرابات التي شلّت العمل في الكثير من المصانع والمصالح الحكومية.

في خضم المعارك وقفت النقابات الرسمية عاجزة، اذ انها خاضعة تماما للنظام، مما زاد في تهميشها واضعافها. هذه النقابات الرسمية التي أُجبر العمال على العضوية فيها، اعتبرت حتى هذه اللحظة الممثل الشرعي الوحيد لعمال مصر، ولكنها في الواقع كانت ممثل النظام لدى العمال. من هنا، تعتبر معركة الاستقلال النقابي التي قادها موظفو الضرائب العقارية خطوة تاريخية ستطوي نصف قرن من تبعية النقابات للدولة وبداية تاريخ جديد للحركة العمالية.

اضف تعليقًا

ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.

الاسم

البريد الالكتروني

العنوان

موضوع التعقيب

تعليقك على الموضوع

Home نسخة للطباعة