كلمات للبحث
وثيقة اللجنة المركزية لحزب دعم من 19/4/09
الازمة الاقتصادية والمعاني السياسية
منذ انعقاد الدورة السابقة للجنة المركزية طرأت تطورات مهمة على الساحة السياسية؛ فوز اوباما بفارق كبير على منافسه الجمهوري، وفي نفس الوقت فوز اليمين الاسرائيلي في الانتخابات التي ادت الى تشكيل حكومة يمينية بمشاركة حزب العمل. جاء انتخاب اوباما كرد فعل على فشل ادارة بوش في حربه على العراق، ولكن بالذات ردا على الازمة الاقتصادية العميقة التي تهز استقرار العالم برمته. اما في اسرائيل فجاء فوز اليمين نتيجة لخيبة الامل من حكومة اولمارت بعد اجباره على الاستقالة، وايضا نتيجة نمو التيار اليمين على اثر الحرب على غزة التي خلقت اجماعا قوميا عنصريا ضد العرب.
وإذا كان الجمهور الاسرائيلي يميل نحو اليمين، ففي امريكا تكبد اليمين المتمثل بالحزب الجمهوري هزيمة تاريخية وتم انتخاب اول رئيس اسود لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة جدا تفوق ال60%. مع دخول اوباما البيت الابيض بدأ بسلسلة من الاجراءات الاقتصادية الطارئة الهادفة الي وقف التدهور الاقتصادي الذي يضرب في اركان المجتمع الامريكي والعالمي على حد سواء. ان التدابير الاقتصادية التي قامت بها الحكومة الامريكية لا مثيل لها وهي تسير بالاتجاه المعاكس لكل النظريات الاقتصادية والبرامج التي طبقت في امريكا منذ الثمانينات اي لاكثر من 25 سنة وكانت معروفة بسياسة "اقتصاد السوق الحرة".
وقد قمنا بتحليل مطول ومفصل لأسباب الازمة الاقتصادية الراهنة التي بدأت صيف 2007 مع انهيار سوق الرهن العقاري الثانوي في وثيقة اللجنة المركزية من شهر اكتوبر 2008. كما قمنا في مقال بموقع الصبار بشرح مفصل حول البرنامج الاقتصادي الطارئ الذي قدمته الادارة الامريكية الجديدة والذي يركز على انعاش المجال المصرفي من جديد. ورغم كل الكلام حول اهمية لجم الاقتصاد الحر والبنوك، وتفضيل الاقتصاد الحقيقي على المضاربة في البورصة الا ان ما يتبين مع الوقت هو ان المبالغ الضخمة التي تم ضخها للسوق من قبل الحكومة والبنك الفدرالي تم توجيها للبنوك وشركات التأمين في محاولة لانقاذ السوق المالية وليس لاستثمارها في خلق اماكن العمل.
ورغم كل هذه المساعدات الحكومية التي زادت عن التريليون دولار (تريليون يساوي الف مليار) فلا احد يعرف ماذا ستكون نتيجة هذه الاجراءات الطارئة. اما فيما يتعلق بالاقتصاد الحقيقي فالنتيجة واضحة الملامح وهي ارتفاع البطالة الى نسبة تصل 8,5% الامر الذي بثير مخاوف الحكومة. هناك سباق مع الوقت، فالحكومة تريد ان ترى المجال المالي يعود الى طبيعته مما سيعيد الانتعاش لمجال الائتمان ومن خلاله الاستهلاك، قبل ان تصل البطالة الى نسبة مكونة من منزلتين، لان ارتفاع البطالة بشكل ملحوظ سيقود الى تباطؤ الاستهلاك مما سيدخل أمريكا الى ازمة اقتصادية، سياسية واجتماعية عميقة جدا.
ومن هنا يتم ضخ مبالغ ضخمة الى الاقتصاد من خلال برامج الاستثمار الحكومي في شتى مجالات البنى التحتية من طرق، الى المجال الصحي والتعليم، خفض الضرائب من اجل ابقاء جزء من الدخل للاستهلاك، وبنفس الوقت انقاذ المجال العقاري من خلال خفض نسبة الفائدة على القروض الاسكانية، ضخ مبالغ الى شركات الائتمان مثل بطاقات الائتمان، القروض للسيارات او للتعليم العالي. وفي نفس الوقت يتم ضخ مبالغ للبنوك من اجل انقاذها من الخسائر الكبيرة في مجال الرهن العقاري والتي ادت الى افلاس جزء مهم منها.
الى جانب كل هذه الخطوات داخل امريكا شارك اوباما في قمة الدول الصناعية العشرين في لندن بمحاولة لانقاذ العولمة. تأتي القمة بعد ان بدأ الكثير من دول العالم باتخاذ خطوات احترازية مثل فرض الحصص على الاستيراد، رفع الجمارك، اغلاق مصانع خارج البلاد وتفضيل العمالة المحلية وغيرها من الاجراءات التي تضرب باسس ومفاهيم العولمة التي تنص على ان تبقى الاسواق العالمية مفتوحة امام التنقل الحر للبضائع، الاموال والعمال. الوثيقة الختامية لهذه القمة تؤكد على استمرارية العولمة، ولكنها لم تخرج باتفاق بالنسبة لاحد اهم اسباب الازمة الراهنة، وهي عدم وجود رقابة فعلية على البنوك، ولم يتم تشكيل جهاز دولي للرقابة في هذا المجال.
الحقيقة التي يعرفها العالم كله، من لندن الى موسكو ومن نيودلهي الى بكين وهي العواصم التي تتأثر بحدة بالازمة الاقتصادية الحالية، هي ان ما سيقرر مصير النظام الرأسمالي ليس التعاون الشكلي بين دول العالم بل النتائج التي ستكون للاجراءات الاقتصادية على الاقتصاد الامريكي نفسه. فامريكا ليست قائدة النظام الرأسمالي العالمي بل مركز النشاط الاقتصادي في العالم وكل الدول متعلقة بها وبالسوق الامريكية التي يتم تصدير بضائع العالم اليها بما فيها الصين، الامر الذي يبقي الدولار عملة التبادل التجاري الاساسية.
الحكومة الاسرائيلية الجديدة والأزمة الاقتصادية
دخلت اسرائيل الازمة الاقتصادية وهي في وسط ازمة سياسية انتهت بانتخابات مبكرة وتشكيل حكومة يمينية جديدة. وعلى غرار ما حدث في الدول المتطورة تأثرت اسرائيل ايضا بازمة البنوك التي خسرت مبالغ كبيرة جدا. فاسرائيل تبنت في العقدين الاخيرين سياسة السوق الحرة وحررت رأس المال من كل قيوده. فالثروة القومية التي تركزت منذ تأسيس الدولة في ايدي الحكومة والهستدروت انتقلت الى ايدي العائلات الغنية التي اشترت القطاع العام بأسعار منخفضة وقروض مريحة. وكما حدث في الدول الرأسمالية التي قلدت النهج الامريكي، أصبح الاقتصاد الاسرائيلي ايضا رهينة للعائلات الغنية ولمغامراتها المالية.
وقد قام الرأسماليون الكبار في اسرائيل باقتراض مبالغ خيالية من البنوك الاسرائيلية ومن الجمهور من خلال شركات التأمين التي تدير صناديق التقاعد وتشتري سندات دين من اصدار الشركات التابعة لهؤلاء الرأسماليين الكبار. وقد تم استثمار المال الذي تم تجنيده من البنوك والجمهور في مجال العقارات في كل انحاء العالم. وقد منح الاستثمار في السوق العقاري ارباح كبيرة جدا نتيجة للارتفاع المستمر في سعر البيوت والمباني العامة. الا ان ومع انهيار سوق العقارات ضعت هذه الاستثمارات وهبطت قمة سندات الدين مما ادى الى خسائر كبيرة للبنوك ولصناديق التقاعد التي خسرت حتى 20% وأكثر من قيمتها.
وفي اسرائيل كما في بقية دول العالم الصناعي، يعتمد الاقتصاد على المضاربة في البورصة الامر الذي افاد شريحة واسعة من الطبقة الوسطى التي تمتعت بحصتها النسبية من ارتفاع مؤشر السوق المالية ومن تصدير منتجات صناعية متطورة وعلى رأسها التكنولوجيا المتطورة. ومع انكماش السوق العالمية تضررت الصادرات الاسرائيلية وبدأت الشركات بفصل العمال. ان البطالة اليوم لا تصيب العمال غير المهنيين فقط بل جزءا كبيرا من العمال المهنيين الذين حصلوا على شهادات جامعية. وهؤلاء يعتبرون من اركان الطبقة الوسطى الذين حرّكوا الاستهلاك المحلي الذي بدأ يشهد تراجعا.
ان ما يترأس حاليا الحكومة الجديدة هو بنيامين نتانياهو الذي يعتبر من اشد المؤيدين لسياسة اقتصاد السوق الحرة ومن قام بإصلاحات عميقة في الاقتصاد الاسرائيلي عندما شغل منصب وزير المالية في حكومة شارون بين 2003 -2005. وكان نتانياهو المسؤول عن تسريع عملية خصخصة المشاريع الحكومية وبيعها للرأسماليين الكبار، وهو من نزع صناديق التقاعد من يد الهستدروت وسلمها لشركات التأمين الخاصة لكي تستثمر هذه الاموال في البورصة، وهو من قلص مخصصات التأمين الوطني وبادر لخطة ويسكونسين لإجبار العاطلين عن العمل على الاشتراك يوميا في مراكز "التأهيل" كشرط لقبول مخصصات ضمان الدخل، كمقدمة لخصخصة مصلحة الاستخدام وكجزء من خصخصة مؤسسات الرفاه.
اليوم يقف نتانياهو امام ازمة اقتصادية عميقة هي نتيجة مباشرة لسياسة السوق الحرة التي سمحت للشركات بالمضاربة بأموال الجمهور بطريقة مغامرة. وفي حين تقوم الحكومة الامريكية بضخ مبالغ خيالية للسوق الامريكي ويصل العجز في الميزانية الى 12% تستمر الحكومة الاسرائيلية في التصرف وكأن الازمة لا تعنيها، وتعتبرها ازمة "مستوردة" ولا علاقة لها بالسياسات الاقتصادية التي وصلت وباعتراف الامريكان والعالم اجمع الى طريق مسدود. ان البطالة في اسرائيل ترتفع باستمرار وليس بوسع الحكومة الا الانتظار حتى ينتهي الركود ويبدأ السوق الرأسمالي ب"تصحيح اخطائه" كما حدث في السابق.
ان الحكومة الاسرائيلية الجديدة لا تقف امام ازمة اقتصادية معقدة فقط بل امام وضع امني سياسي صعب نابع من الجمود التام في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. صحيح ان حكومة اولمارت لم تتقدم في مسار المفاوضات مع الفلسطينيين، ولكن اعلنت ولو لفظيا التزامها مبدأ الدولتين للشعبين. اما الحكومة الحالية فتعتمد على الاحزاب اليمينية التي ترفض مبدأ الدولة الفلسطينية وتعارض كل انسحاب من الاراضي المحتلة سواء في الضفة الغربية او في الجولان. ان هذه السياسة تضع الحكومة في مسار صِدام مع الادارة الامريكية التي تعبر في كل مناسبة عن التزامها الحل السلمي على اساس دولتين.
ان شكل الائتلاف الحكومي الحالي يعقد اكثر الساحة السياسية، فحزب الليكود لم يتمكن من الحصول على عدد المقاعد البرلمانية الكافية لتشكيل حكومية مستقرة، الامر الذي اضطر نتانياهو ان يمنح حزب ليبرمان مكانا بارزا في الحكومة، واضطره ايضا للتوجه الى ايهود براك من اجل ان ينقذ الموقف ويتسلم منصب الدفاع. ان هذا الخليط الذي يضم ليبرمان وحزب العمل المنشق داخليا، اضافة الى اعضاء حزب الليكود الغاضبين بسبب اضطرارهم للتنازل عن حقائب وزارية مهمة، يشير الى ان مستقبل هذا الحكومة سيكون معقدا ومليئا بالأزمات بسبب جمود العملية التفاوضية من ناحية واستفحال الوضع الاقتصادي من ناحية اخرى.
الحرب على غزة والحوار في القاهرة
في وثيقة اللجنة المركزية الاخيرة من 18 يناير 2009 اكدنا بان الهدف الاسرائيلي من الحرب هو اجبار حماس على قبول "الرؤية المصرية" للحل والوحدة مع حركة فتح. ومما جاء في الوثيقة المذكورة:
"ان الحقيقة هي ان الحكومة الاسرائيلية لم تكن معنية بإسقاط حكومة حماس بل اجبارها على قبول قوانين اللعبة التي تم الاتفاق عليها في اوسلو. وكانت التهدئة الاخيرة فرصة مُنحت لحماس للدخول بمفاوضات مع فتح من خلال الوساطة المصرية وكان الرفض من قبل حماس للورقة المصرية مثابة الطلقة الاولى التي ادت الى الحرب الحالية. واصبح المواطنون العزل الوسيلة التي من خلالها تريد اسرائيل ان تجبر حماس على قبول ما لا تقبله في المحادثات في القاهرة. وكل ما تريده حماس من قصفها على اسرائيل هو فتح المعبر في رفح بما يعنيه من اعتراف بسلطتها على غزة."
ورغم كل المناورات التي قامت بها حماس بمساعدة قطر وسورية وإيران بتنظيم قمة عربية بخصوص غزة قبل القمة الاقتصادية في الكويت الا ان هذه القمة فشلت في بناء اطار بديل للاطار المصري والوصول الى "اتفاق دوحة" ثاني على غرار الاتفاق اللبناني. فقد اجبرت مصر حماس بدعم من المجتمع الدولي على الدخول في مفاوضات مع فتح في القاهرة على اساس واضح جدا وهو الحد من المقاومة والاعتراف الضمني باتفاق اوسلو. وقد اكدنا ايضا في نفس الوثيقة بان نهج المقاومة وصل الى نهايته.
وتابعت الوثيقة: "وإذا كانت احداث اكتوبر 2000 نهاية لفترة اوسلو والاستيقاظ الشعبي من وهم السلام فما يجري الان من كارثة ودمار في غزة سيؤدي الى استيقاظ شعبي من وهم المقاومة. تنظيم فتح دمر الحركة الوطنية الفلسطينية والشعب الفلسطيني باستراتيجية السلام، واستكملت حماس العملية عندما منحت لإسرائيل المبررات لشن حرب شاملة على غزة دون ان يكون لها الامكانية للرد على مثل هذا الهجوم."
ان المحادثات حول الوحدة في القاهرة تدل على صحة موقفنا حول الحرب ولكن تدل ايضا على صعوبة حماس في قبول شروط القاهرة. ان النقاش الدائر بين "المتطرفين" و"المعتدلين" داخل حركة حماس حول الاستراتيجية المستقبلية بالنسبة لاجراء الانتخابات وتشكيل حكومة وحدة من جهة او مواصلة الرفض والمقاومة من جهة اخرى يمكن ان يؤدي لانشقاق داخلي. ان الطريق المسدود الذي ادى اليه الحوار بين فتح وحماس حتى الآن يدل على تخبط حماس الداخلي وعدم امكانية اتخاذ القرار.
ان هذا الجمود في الحوار هو الذي يدفع مصر الى زيادة الضغط على حماس من اجل القبول بالاقتراح المصري المنحاز لصالح السلطة. ويوظف النظام المصري اكتشاف الخلية التابعة لحزب الله في سيناء من اجل تشويه سمعة "المقاومة" بشكل عام، وحشر المعارضة المصرية في الزاوية، والاهم من ذلك يهدف الى الضغط على حماس ليقرر مع من يقف، مع ايران او مع مصر والمعسكر المعتدل القريب من امريكا وإسرائيل. ان ما نراه اليوم من صراعات عربية – عربية هو محاولة لحسم الوضع الفلسطيني بطريقة تخدم مصالح مصر والسعودية على حساب كتلة الممانعة التي تشمل ايران، سورية وقطر.
الازمة الاقتصادية حدث عابر ام نهاية الرأسمالية؟
ان هذا السؤال لا يطرحه حزب دعم فقط بل هو متداول في شتى الدوائر الاعلامية، الحكومية والحزبية، فالإجماع السائد اليوم هو ان هذه الازمة تشبه ما حدث في سنوات الثلاثين من القرن الماضي، ولكنها اكثر عمقا واتساعا، ولذلك لا بد من اتخاذ اجراءات استثنائية. السؤال الكبير هو هل من الممكن لهذه الاجراءات، وتحديدا الاجراءات التي قامت بها الحكومة الامريكية ان تصحح المسار وان تشفي النظام الاقتصادي الرأسمالي؟ هناك الكثير من التكهنات حول موعد الخروج من الركود، فهناك من يرجح ان يكون ذلك عام 2010 وهناك من يخمن باستمراره فترة اطول.
وقد رأينا كيف يتحرك رئيس الهستدروت عوفر عيني بمحاولة لمساعدة الحكومة على التغلب على الازمة. ان موقف عيني ليس استثنائيا بل يشبه ما تقوم به اغلبية النقابات الرسمية في العالم وعلى رأسها النقابات الامريكية التي تدعم حكومة اوباما بشكل كامل. ما يقوله عيني هو ان الازمة تستوجب التعاون الوثيق بين النقابة، ارباب العمل والحكومة. لهذا السبب قام عيني بدفع حزب العمل للدخول الى الحكومة واعلن انه سيعمل على انجاح حكومة نتانياهو. فبالنسبة لعيني مصير العمال مربوط بمصير رأس المال وتحديدا العائلات الغنية وهو لا يرى حلا خارج اطار النظام الرأسمالي الحالي.
صحيح ان اوباما بادر لخطة واسعة النطاق لتصحيح بعض الامراض التي خلقها النظام السابق الذي فضل رأس المال المالي الكبير، وذلك مثلا من خلال معالجة موضوع التأمين الصحي، وتسهيل النظام النقابي، الا ان المجهود الاكبر موجَّه نحو اشفاء المجال المالي وإنقاذ البنوك. الخطوات التي نراها من جانب اوباما وسائر زعماء العالم ليس عملية تغيير جذري للنظام الرأسمالي من خلال كبح جماح النشاط المالي في البورصة الذي ادى للانهيار الحالي، بل استخدام خزانة الدولة والمال العام لانقاذ البنوك وأصحابها الاغنياء. وبكلمات اخرى لا تتم معالجة المشاكل البنيوية التي تشكل اساس الازمة العالمية الحالية، وذلك خلافا لما قام به النظام الامريكي إبان ازمة الثلاثينات.
وهنا يكمن لب المشكلة، كما سبق ان اوضحنا في اكثر من مناسبة ووثيقة - لا يمكن للحكومة الامريكية ان تعود للوراء، لأيام احتكرت السوق العالمية وكانت تصدر منتجاتها هي للعالم وتوفر لعمالها مستوى معيشة مرتفع. ان دولة الرفاه المسؤولة عن توفير اماكن عمل للمواطنين، اصبحت شيئا من الماضي وحتى اوباما الذي يحظى بشعبية ودعم جماهيري كبير يرتكن على اصدقاء وول ستريت ويضع كل آماله وثقله في اشفاء المجال المالي ولا يعمل شيئا لتغيير سوق العمل الامريكي ومنع استغلال العولمة من اجل نقل المصانع الى خارج البلاد وتحويل الصين، الهند والعالم الثالث الى مصنع كبير لاستغلال اليد العاملة الرخيصة.
ان الجواب على السؤال اذا كانت هذه نهاية الرأسمالية إيجابي، والحقيقة ان النهاية ليست متعلقة فقط بالظروف الموضوعية مثل حدوث انهيار اقتصادي كبير، وركود يؤدي الى بطالة واسعة النطاق ونزاعات قومية بين الدول التي تريد ان تغلق اسواقها امام منافسيها، بل متعلقة ايضا بظروف ذاتية مثل استعداد الطبقة العاملة مع سائر الجمهور المتضرر من الازمة لخوض المعركة السياسية من اجل احداث التغيير الثوري. ان ما نراه في اسرائيل كما في اوروبا وأمريكا هو حالة من الترقب والانتظار ومنح اوباما الفرصة لتصحيح النظام الحالي. وهناك نوع من الايمان الغيبي بان النظام الرأسمالي دائما يشفي نفسه وهذا الايمان لا اساس له من الصحة. ف"الشفاء" الاخير جاء بعد تخريب اوروبا في الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها اكثر من خمسين مليون نسمة.
ما يمكن التأكيد عليه هو اننا امام حقبة تاريخية جديدة وان هذه الازمة الاقتصادية سيكون لها انعكاسات سياسية بعيدة المدى. ان الركود الاقتصادي ليس شيئا عابر من ناحية بل من الممكن ان يمتد سنوات عديدة حتى يتعفن النظام السياسي الحالي الذي فقد منذ مدة مصداقيته في امريكا واوروبا واسرائيل. ان الفساد والعلاقة الوثيقة بين رأس المال والسلطة تحولا الى ميزة مستقرة تسيطر على السياسة في كل بلاد العالم. اننا نعلم علم اليقين بان كل المحاولات للخروج وبشكل سريع من الازمة الحالية دون معالجة اسبابها الاساسية ستنتهي بالفشل مثل ما حدث في المحاولات العديدة لتصحيح المسار منذ ان بدأت الازمة في اواخر التسعينات.
حزب دعم والبرنامج الاشتراكي
ان الحل الجذري الذي يطرحه حزب دعم هو النظام الاشتراكي المبني على الاقتصاد العام الخاضع للقرار الديموقراطي العام. انه المزج بين اقتصاد مؤمم وبين نظام سياسي ديموقراطي مؤسس على التعددية الحزبية، انه نظام يلغي الملكية الخاصة ولكن يضمن الديموقراطية بأوسع مفاهيمها. ان ما قامت بها البرجوازية من ربط بين الملكية الخاصة والديموقراطية ليس سوى نظرية كاذبة جاءت لتغطي على استبداد رأس المال والاستغلال الفادح للطبقة العاملة وانتهاك الحقوق الديموقراطية في شتى انحاء العالم.
نحن نطرح منذ تأسيسنا لحزب دعم الحل الاشتراكي ونربط أي تقدم في مجال التحرر الوطني والحد من العنصرية باستنهاض الطبقة العاملة في العالم وإحياء البرنامج الاشتراكي. وعلى هذا الاساس بادرنا الى تأسيس اطار نقابي لبناء قاعدة اجتماعية عمالية يعتمد عليها الحزب في نضاله السياسي. وقد رأينا كيف اكتسبت معا سمعة ومصداقية كإطار يمثل الطبقة العاملة على اساس اممي وتهتم بشكل خاص بقضايا الطبقة العاملة العربية. ان هذه السمعة نابعة من الوضع الموضوعي العام الذي ترك العمال دون تمثيل عرضة لكل انواع الاستغلال.
وبرغم السمعة وشهرة معا الا ان الطبقة العاملة العربية وهي الاكثر استفادة من جمعية معا ودورها النقابي امتنعت حتى الان من الانخراط في الصفوف حزب دعم او الادلاء بصوتها لصالحه في يوم الانتخابات. وما لمسناه من خلال نشاطنا النقابي والسياسي هو ان معظم العمال الذين كانوا في فترة او اخرى اعضاء بجمعية معا لم يستوعبوا دورها الرائد والحيوي المتعلق بمصالح الطبقة العاملة والمجتمع العربي بشكل عام. وكان هذا واضحا في يوم الانتخابات نفسه حين غابت الطبقة العاملة عن الساحة، وإن صوتت فقد دعمت الاحزاب العربية الثلاثة التي استفادت من جو الحرب على غزة.
ان ما يميز المجتمع العربي هو التفسخ الاجتماعي، ونتيجة هذا التفسخ هو نمط التصويت الحمائلي التقليدي الذي يكرس الوضع الحالي. بعد الانتخابات ورغم ازدياد عدد المقاعد التي حصلت عليها الاحزاب العربية في الكنيست، لم يتغير وضع المجتمع العربي بل بالعكس فالجماهير لا تتوقع اي تغيير وكان التصويت مجرد "ادخال اعضاء كنيست عرب" كنوع من الرد على ما قامت به اسرائيل من حرب وحشية على قطاع غزة. في هذا الجو من الاحباط والسلبية لا يمكن لحزب ثوري ان ينجح فهو متعلق بوعي واستعداد الجماهير للتحرك، والتنظيم والتضامن.
لم تكن نتيجة الانتخابات صدفة بالنسبة لنا ومع ذلك فهي تكشف الهوة الشاسعة بين برنامجنا الطبقي وبين الإجماع القومي الديني السائد اليوم على الساحة. ان هذا الاجماع يكرس الجمود والتخلف القائم في كل المجالات وينعكس في مكانة العمال، المرأة، الشباب، تردي الاخلاق وفقدان النسيج الاجتماعي الاساسي.
نحن لا نعمل على الاستفادة من الوضع القائم وتكريسه كما تفعل الاحزاب العربية، بل من اجل تغييره. وهذه عملية طويلة المدى وتتعلق بحدوث تغيير جذري في الظروف الموضوعية المحيطة. فلا يمكننا ان نلائم انفسنا للناس بل دورنا هو رفع المجتمع من الوضع الحالي الى درجة ارقى كشرط مسبق للتغيير. ان القاء اللوم على الحكومة او اليهود او امريكا يغطي على الضعف الذاتي الكبير، على فقدان القيادة والبرنامج من اجل استنهاض الجمهور وتأطيره حول برنامج عمل واقعي من اجل احداث تغيير حقيقي وليس الاكتفاء بالاحتجاج الشكلي.
ان دورنا اليوم اذن هو النضال من اجل طرح البديل الاشتراكي كخيار بديل امام الجماهير. هذا ما قمنا به بالانتخابات عندما وضعنا الخيار العمالي الثوري امام الجمهور. هذا ليس بديلا خطابيا يعتمد على الشعارات بل بديلا يعتمد على العمل الملموس بين الجماهير، يهودا وعربا، في مجال حقوق العمال. انه عمل نقابي، ثقافي، تربوي من الدرجة الاولى، هو متنوع ويشمل دورات تمكين للنساء والشباب، إحداث اماكن عمل، خوض معارك نقابية، الابداع الفني، الكتابة السياسية، العلاقات الدولية، التجارة العادلة وغيره من المجالات التي تقوي علاقة الحزب بالجمهور من عرب ويهود حول البرنامج العمالي.
ان الحملة التضامنية مع عمال شركة القوى البشرية "بريك" هي نموذج لما نريد. ففي وضع يتميز بانعدام الوعي الطبقي والتضامن العمالي، نخوض هذه المعركة من اجل توعية العمال حول اهمية التضامن العمالي ودور معا ليس مجرد اطار للحماية القضائية، بل إطار نقابي يطلب من العمال المساهمة الفعالة في دعم رفاقهم الذين دخلوا في نضال مطلبي ويتعرضون للعقاب بسبب ذلك. هذه الحملة هي نموذجية لأن قضية "بريك" لا تخص العمال العرب فقط بل اليهود ايضا، انها قضية عمال المقاولة برمتها ومحاولة لإجبار الشركات على تطبيق القانون. ومن هنا قمنا بتنظيم المهرجان الغنائي في تل ابيب لإيصال الرسالة للجمهور الاسرائيلي بشكل عام.
ان الطبقة العاملة في اسرائيل هي ثنائية القومية بطبيعتها ومن هنا نابع ايضا الطابع الاممي لحزبنا ومعًا. في مصانع مثل "بري هجليل" و"عوف هعميق" يعمل عمال يهود وعرب على حد سواء، وكذلك هو الوضع في شركة "الحراسة"، شركات المواصلات وأغلبية المصانع. المجالات التي يعمل فيها عمال عرب فحسب محصورة في البناء او الزراعة وهي استثنائية، كما ان مجالات التكنولوجيا المتطورة والكهرباء تشغل اليهود فقط بسبب التمييز العنصري، ولكن اغلبية المجال الصناعي يجمع بين كل العمال ولا يمكن لأي عامل ان ينجح في المعركة النقابية الا اذا توحد مع كل عمال بغض النظر عن اصله القومي او الديني.
مهمتنا العاجلة
يدخل حزب دعم هذه المرحلة الجديدة التي تشهد ازمة النظام الاقتصادي الرأسمالي، وهو مسلح ببرنامج عملي واضح يعمل على الدفاع عن حقوق العمال. لنا تحليل علمي حول اسباب هذه الازمة ومنه نستنتج استحالة حلها كما تحاول الاحزاب البرجوازية ان تفعل. لنا ايضا تجربة سياسية ونقابية غنية لا بد ان تساعدنا في تطوير الحزب وتوسيع صفوفه في المستقبل. ورغم العدد القليل من الاصوات فالصدى الاعلامي الذي جاء نتيجة مشاركتنا في الانتخابات نشر اسم الحزب وساعد في ترسيخ مكاننا على الساحة السياسية.
اننا امام تحديات سياسية جديدة وكبيرة، هي نفس التحديات الماثلة امام النقابات والأحزاب اليسارية في شتى انحاء العالم. هذه فترة ستمتحن فيها البرامج المختلفة، البرجوازية منها وحتى القومية والدينية. الطبقة العاملة في العالم بدأت تستيقظ بعد سنوات طويلة من الركود، الاشتراكية التي أُعلن عن موتها تعود الى الحياة في شتى انحاء العالم ومن ضمنها الولايات المتحدة الامريكية. لسنا امام تحرك ثوري، واليسار لا يزال يبحث عن نفسه ويحاول ان يدرك الى اين تقودنا الازمة الحالية.
بالنسبة لحزب دعم فقد توقع حدوث هذه الازمة التي ستقود لتغييرات سياسية عميقة، وعلينا ان نكثف نشاطنا لنكون في صدارة الاحداث والسعي للتواصل مع حركات عمالية في العالم، من مصر الى اوروبا وإذا امكن فمع امريكا نفسها. هذه من اهم مهماتنا لان مصيرنا مربوط بمصير الطبقة العاملة في كل مكان.
اضف تعليقًا
ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.