شؤون دولية

سلطة الآثار وشركة القوى البشرية "بريك": نهج مبنويّ للسيطرة واستغلال العمّال

إيرز ڤاچنر

عمال سلطة الآثار في محكمة العمل في القدس

ظهيرة يوم الخميس الموافق 8.1.09 جمع المسؤول من طرف شركة القوى البشرية "بريك" عشرات عمّال الحفريات التابعين لسلطة الآثار في موقع العمل في راس العمود في القدس، وأبلغهم أنّ كلّ عامل عمل أكثر من تسعة أشهر لن يستدعى إلى العمل بعد الآن. وقد تمّ إبلاغ مثل هذه الرسالة أيضًا للعمّال في موقع الحفريات في أمّ طوبا في القدس قبل ذلك ببضعة ايام. وقد فصلت شركة بريك العمال دون كتاب فصل ولم تدفع تعويضات الفصل.

يعمل عمّال الحفريات من سكّان القدس سنوات في حفريات سلطة الآثار، تتراوح أعمار معظمهم بين 45-55. كان هذا البلاغ بمثابة قطع أرزاقهم، الأمر الذي يشكّل بالنسبة لهم كارثة اقتصادية. قسم من العمّال المفصولين اكتسبوا خبرة ومهارة سنوات في هذا العمل الدقيق. توجّه بعضهم هاتفيًا إلى مدير المستخدمين في شركة بريك، شابّ يدعى چاي، إلاّ أنّه عاد وقال لهم إنّ كلّ من عمل أكثر من تسعة أشهر لن يستدعى بعد الآن للعمل.

لكن عندما توجّه العمّال المفصولون إلى مكتب العمل، تفاجأوا عندما شاهدوا مندوب شركة بريك يجري مقابلات عمل لعمّال جدد. يتّضح من تقرير قُدِّم إلى محكمة العمل في أعقاب دعوى العمّال أنّ شركة بريك أرسلت طلبًا إلى مكتب العمل في كانون الثاني 2009 لاستيعاب عدد من العمّال لا يقلّ عن 70. يتّضح أيضًا أنّ مكتب العمل في شرقي القدس أرسل في 5.1 وفي 18.1 إلى شركة بريك 93 عاملاً للعمل في الحفريات لصالح سلطة الآثار.

من هي شركة بريك؟ من يبحث عن "بريك لإدارة والمبادرة إلى المشاريع" في شبكة الإنترنت لن يجد موقعًا للشركة أو خدمة للزبائن أو عنوانًا يمكن التوجّه إليه من أجل طلب عمّال مؤقّتين. كلّ ما يمكن إيجاده هو عناوين من نمط "فلان ضدّ شركة بريك"، ودعاوى قضائية قدّمها عمّال فُصلوا فعليًا من العمل (بدون إشعار بالفصل) بعد أن تجرّأوا على تقديم شكوى على المسّ بحقوقهم. مثلاً: في تشرين الأوّل من السنة الماضية توجّه 15 عاملاً إلى "كاڤ لعوڤيد" وأفادوا أنّهم لا يحصلون على امتيازات اجتماعية ويقوم المشغّل بخصم مبالغ مالية ممنوعة من أجرهم. بعد تقديمهم الشكوى تلقّوا بلاغًا بعدم وجود عمل لهم (هآرتس، 21.2.08).

العمّال يردّون على هضم حقوقهم

عندما اتّضح للعمّال أنّهم فقدوا عملهم وليس لديهم حماية من أيّ اتّحاد مهني، قرّر 21 منهم ألاّ يسكتوا. بما أنّه تمّ خصم 30 شيقل شهريًا من راتبهم لصالح "لجنة عمّال والهستدروت"، توجّهوا بنيّة صافية إلى فرع الهستدروت في شرقي المدينة وطالبوا بتدخّل المسؤولين وبضمان حقوقهم. لكنّ الهستدروت أبلغت العمّال أنّه وفقًا لسجلاتهم لم تتسلّم الهستدروت أبدًا المبالغ المالية التي قامت شركة "بريك" بجبايتها منهم، ولذلك لا يستحقّون الحماية. لم ييأس العمّال ووصلوا إلى مكاتب جمعية معًا في شرقي القدس وباشروا بنضالهم.

استجابت جمعية معًا لهذا التحدّي، وقرّرت العمل بسرعة لمنع الفصل وإعادتهم إلى العمل. لهذا الغرض أقامت جمعية معًا اجتماعًا غفيرًا لجميع العمّال المفصولين، شرح فيه مدير عامّ الجمعية أساف أديب اهمية الموضوع وطرق النظال ضد الفصل. بعد النقاش قرّر العمّال بالإجماع، بمشورة جمعية معًا، التوجه الى المحكمة لاستصدار أمر منع ضدّ الفصل، والمطالبة بالاعتراف بهم كعمّال سلطة الآثار وفقًا للتعديل الذي طرأ على القانون.

عندما بدأت جمعية معًا في جمع المعطيات وقسائم الأجور واستمارات 106 والتصريحات، تبيّن أنّ جميع مقدّمي الدعاوى يفون بمتطلّبات القانون الجديد وأنّ فصلهم لم يكن قانونيًا، وذلك لأنه حسب تعديل القانون، أصبح العمّال من عمّال سلطة الآثار قبل يوم الفصل، ممّا يعني أنّ شركة "بريك" لا تملك الحقّ في فصلهم.

العمّال من جهتهم، ورغم الوضع القاسي الذي يعانون منه منذ فصلهم، وضعوا ثقتهم الكاملة في جمعية معًا. على الرغم من المشادّات القومية بين اليهود والعرب التي انتشرت في بلادنا، العمّال الفلسطينيون وطاقم جمعية معًا، الذي يشمل يهودًا وعربًا، يناضلون سوية بثقة مطلقة من أجل غاية سيجني منها فائدة مئات آلاف عمّال المقاولين في البلاد بدون أيّ فوارق قومية أو دينية أو عرقية أو جنسية.

القانون والعقاب

الرفض الذي واجهه العمّال يرتبط بتغيير قانون شركات القوى البشرية ومحاولة شركة "بريك" وسلطة الآثار التهرّب من تطبيقه. في تاريخ 1.1.08 بدأ العمل بالبند 12 أ من قانون تشغيل العمّال عن طريق شركات القوى البشرية. حسب هذا القانون، بعد مرور تسعة أشهر من تشغيلهم يصبح عمّال مقاولي القوى العاملة عمّالاً يتبعون للمشغّل الفعلي، في هذه الحالة سلطة الآثار. الفكرة التي تقف وراء التعديل في القانون هي تشغيل العمّال من خلال شركات القوى البشرية لفترات محدودة، وتقليص إمكانية تشغيل عمّال لمدّة زمنية طويلة بدون حقوق وتثبيت في مكان عملهم. حسب القانون المعدّل، كان من المفترض أن يصبح عمّال شركة "بريك" في تشرين الأوّل 2008 (في نهاية الأشهر التسعة) عمّالاً ثابتين في سلطة الآثار، والحصول على حقوق كاملة وفقًا للاتّفاقية الجماعية.

اتّضح أنّه في أعقاب تعديل القانون أُجري نقاش داخلي في سلطة الآثار، بحضور شوكي دورفمان، مدير عامّ السلطة. في 20 آذار 2008 كشفت روتي سيناي في جريدة هآرتس، أنّه "حسب أقوال موظّفين كبار في سلطة الآثار، اتّفق في الجلسة أنّه يجب فصل العمّال لضمان عدم منحهم حقوقًا اجتماعية كتعويضات الفصل من العمل، وتشغيل عمّال آخرين مكانهم يتمّ فصلهم، هم أيضًا، بعد مرور تسعة أشهر". شارك في هذه الجلسة أيضًا شلومو أشكنازي، نائب مدير عامّ سلطة الآثار ومن أقرباء إيلي حين، صاحب شركة القوى البشرية "بريك". يجب التنويه إلى أنّ سلطة الآثار هي مؤسسة عامة تعمل بشكل مستقل لكنها خاضعة لمسؤولية وزارة التربية.

من الجدير ذكره أنّ قسمًا من العمّال عملوا في الماضي في سلطة الآثار، وأنّ أحدهم عمل فيها أكثر من 15 سنة. في حينه أيضًا كانت سلطة الآثار تفصلهم كلّ تسعة أشهر، وبعد ذلك تعيد تشغيلهم من جديد. إلاّ أنّهم على الأقلّ كانوا يعملون شهرًا كاملاً، وحصلوا على رواتبهم دون إهانات يومية.

مع تقديم لائحة الدعوى بدأت تتّضح تكتيكية شركة "بريك" وسلطة الآثار. في الجلسة الأولى التي أجريت في 8.2، بعد شهر لم يعمل العمّال خلاله، ادّعى مندوب شركة "بريك" في المحكمة أنّ العمّال لم يُفصلوا بتاتًا، والشاهد على ذلك هو عدم تلقّيهم إشعارًا بالفصل. قبل النقاش في المحكمة بثلاثة أيّام تمّ استدعاء قسم من العمّال للعمل، إلاّ أنّهم سئلوا في نهاية اليوم الثاني إذا كانوا ينوون الحضور إلى العمل يوم الأحد، اليوم الذي حدّدت فيه جلسة المحكمة. كان ذلك إنذارًا واضحًا للعمّال بأنّ من يتنازل عن الدعوى سيحظى بمكان عمل. عندما ردّ العمّال بأنّ في نيّتهم التغيّب عن العمل بسبب جلسة المحكمة، قيل لهم أن ينتظروا بلاغًا بالنسبة لمواصلة عملهم. في قاموس شركة "بريك" هذا معناه إبعادهم عن العمل لوقت غير محدود.

بالإضافة إلى ذلك، ادّعت سلطة الآثار أنّ العمّال لم يُفصلوا، وغاية ما في الأمر هو أنّه لا يوجد عمل لهم بحجة انّ شهر كانون الثاني هو شهر ماطر ولذلك لا توجد أعمال حفريات. لكن بخلاف كانون الأوّل هذا الذي كان جافًّا جدًّا ولم تهطل فيه أمطار، توجّهات شركة "بريك" للبحث عن عمّال جدد هطلت مطرًا غزيرًا على مكتب العمل. كما ذكرنا سابقًا في كانون الأوّل وحده طلبت شركة "بريك" 70 عاملاً من مكتب العمل في القدس و20 آخرين في شهر آذار.

نهج من الإهانة والاستغلال

من خلال خلق فائض مقصود من العمّال انتهجت شركة "بريك" طريقة استغلال ناجعة: دفع العمّال إلى رجاء المشغّل كلّ يوم طلبًا للعمل، الأمر الذي يضمن سكوتهم على عدم حصولهم على حقوقهم وتأجيل دفع الأجور أو المعاملة القاسية. كُشف النقاب عن هذه الطريقة من خلال شهادات العمّال في الجلسة الثانية في محكمة العمل في 22.3.09. هذا ما كان يجري في حفل الإذلال اليومي: في نهاية كلّ يوم عمل يجمعون العمّال ويبلغونهم من سيعمل غدًا ومن لن يعمل. إذا لم يستدعَ العمّال للتجمّع أو من لم يحصل على عمل، عليه الاتّصال هاتفيًا بالمسؤولين عن مواقع الحفريات. إذا لم ينجح في الاتّصال بهم، عليه النهوض في الرابعة صباحًا والتجمّع مع سائر العمّال أمام مدخل متحف روكفلر في القدس الشرقية، على أمل بأن يسمحوا له ركوب السيّارة التي تقلّه إلى العمل. وقد حدث أكثر من مرّة أن وصل العمّال إلى الموقع في الساعة الخامسة صباحًا ورُدّوا خائبين إلى بيوتهم بادّعاء عدم وجود عمل لهم. تكلفة السفر إلى روكفلر لم تُدفَع لهم وكذلك لم يتلقّوا تعويضًا عن النهوض مبكّرًا في الصباح والوصول إلى مكان العمل.

من معلومات وصلت إلى جمعية معًا مصدرها من عمّال في منطقة الشمال، يتّضح أنّ هذه الطريقة تعمل أيضًا في مناطق أخرى. المسؤولون عن العمّال يتعاملون معهم باستخفاف وإذلال. من يجرؤ على الردّ ينتظره عقاب الطرد من العمل. بما أنّ الحديث عن عمّال ليس لديهم مصدر رزق آخر بسبب جيلهم أو وضعهم الصحّي، يضطرون إلى قبول هذا الاستخفاف والإذلال.

من المفهوم ضمنًا أنّ شركة "بريك" تستخدم هذه الطريقة أيضًا ضدّ العمّال الذين قدّموا عن طريق جمعية معًا دعوى ضدّهم. في الجلسة الأولى التي عقدت في المحكمة توصّل العمّال وجمعية معًا إلى اتّفاق مع سلطة الآثار وشركة "بريك" يقضي بمنح مقدّمي الدعوى أولوية في تشغيلهم في الحفريات حتّى إصدار قرار حكم في الدعوى. هذا الوعد لم ينفّذ. في شهر آذار، مثلاً، لم يعمل سبعة منهم بتاتًا، وأربعة عملوا 4 أو 5 أيّام وثلاثة عملوا 8 أيّام وعامل واحد فقط حظي بالعمل 14 يومًا. قبل فصلهم من العمل وتقديم الدعوى عمل هؤلاء العمّال بين 15 وَ 20 يومًا في الشهر بالمعدّل.

مسؤولية الحكومة

تمّ التعديل في قانون شركات القوى البشرية خصّيصًا لمنع مواصلة تشغيل العمّال مؤقّتًا بدون حقوق، ومنع الوضع الذي يتيح لمقاولي القوى العاملة المسّ بكرامة العامل وتهديده بالتجويع إذا جرؤ على الاعتراض. من المنطقيّ ومن المفترض أن تكون سلطات الدولة في طليعة مطبّقي التعديل على قانون شركات القوى البشرية. بذلك كانت ستقضي على طرق التشغيل التي تمسّ بكرامة العامل وتهدّد أعدادًا تتزايد من العمّال في دولة إسرائيل. حقيقة تعاون سلطة قانونية تعمل تحت ظلّ وزارة التربية مع شركة مقاولة من أجل التهرّب من تطبيق القانون، تبيّن الجانب القبيح للاقتصاد الإسرائيلي، وتُبرز إلى أيّ حدّ العلاقة بين الرأسماليين والسلطات هي علاقة متينة.

النجاح في الدعوى التي قدّمها عمّال شركة "بريك"/ سلطة الآثار وجمعية معًا سيخلق سابقة قضائية تمكّن لآلاف عمّال شركات القوى البشرية من العمل في شروط من الاستقرار، والتخلّص من التعلّق الأبدي بمقاولي القوى العاملة.

لقد ارسل كاتب المقال بعض الاسئلة الى المتحدثة باسم سلطة الاثار يولي شوارتس والى شركة بريك لكنهما لم تردا حتى الان.

اضف تعليقًا

ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.

الاسم

البريد الالكتروني

العنوان

موضوع التعقيب

تعليقك على الموضوع

Home نسخة للطباعة