كلمات للبحث
الانتخابات للسلطات المحلية: الحمائلية انتصرت، مجددا
لا نأتي بجديد اذا قلنا انه في الانتخابات الاخيرة اختفى النقاش السياسي، وغابت كافة الاحزاب بكل تياراتها لصالح العائلية والطائفية. حتى ان العائلات انقسمت على ذاتها. ولكن الامر الخطير ان اختفاء المصلحة العامة فتح الباب واسعا للحرب على المصلحة الشخصية، وكل الوسائل باتت مباحة، من الشتائم وحتى الاسلحة النارية.
في عرابة والطيرة تنافست 18 قائمة على 13 مقعدا في المجلس، قال اريك رودنيتسكي، مدير المشاريع في برنامج كونراد ادنهاور للتعاون اليهودي العربي، في مؤتمر لتلخيص وإجمال نتائج الانتخابات للسلطات المحلية العربية الذي عقد في جامعة تل ابيب، واضاف: "ان كثرة القوائم والمرشحين تدل على التشرذم وان الوزن الرئيسي للحمولة لا يزالان عاملا بارزا في انتخابات السلطات المحلية... ان احد الادلة على الانقسام السياسي هو عدم انتخاب مرشح متفق عليه في 17 من اصل 56 بلدة".
انتخابات دون سياسة
المفارقة الكبرى ان زعماء الاحزاب ادعوا ان احزابهم حققت انجازات هامة وزادت من قوتها في هذه الانتخابات. التجمع كما جاء في موقع "عرب 48"، "كان الحزب الوحيد الذي ضاعف عدد اعضائه في المجالس المحلية والبلدية، وحقق عدد من المرشحين الذين دعمهم فوزا حاسما في سخنين وعيلبون وكفر ياسيف". كيف فعل ذلك؟ بالطريقة القديمة المعروفة، وهي ان تدرك اتجاه الريح، فتأتلف معه وتدعمه وتحوله الى عضو بارز في حزبك.
في سخنين، كمثال آخر، فاز مازن غنايم، المدير السابق لفريق كرة القدم "اتحاد ابناء سخنين". واعترف غنايم بان لعضو الكنيست احمد الطيبي حصة الاسد في انتصاره في الانتخابات. وكانت سخنين قاطبة قد قدمت للطيبي مواطنة شرف، وذلك بعد ان حصل من النظام القطري الرجعي على ستة ملايين شيكل لبناء "استاد الدوحة" في سخنين، علما ان فريق اتحاد ابناء سخنين صار الانجاز الوحيد الذي بقي للجماهير العربية ان تفاخر به.
الجبهة ايضا حققت انجازات هامة عندما رشحت دوف حنين لرئاسة بلدية تل ابيب مقابل رون حولدائي، ومع انه لم يحصل على الرئاسة الا انه حصد 46 الف صوت. ولكن الجبهة لا تكشف ان الثمن كان انقساما قوميا في صفوفها، عندما رشحت للانتخابات قائمتين للعضوية، واحدة عربية ليافا واخرى خالية من العرب في تل ابيب.
وفيما تحاول الجبهة تصوير نفسها كمعارضة في تل ابيب، تتبنى موقفا معاكسا تماما في حيفا، حيث دعمت يونا ياهف لرئاسة بلدية حيفا، وافتخرت بانه "كان لها دور حاسم في انتخاب رئيس البلدية ياهف." (موقع بكرا، 23 تشرين ثان). ولا تجتهد الجبهة للاجابة عن السؤال: لماذا تأتلف مع مرشح حزب السلطة كاديما في حيفا، وتعارض مرشح حزب العمل في تل ابيب؟ كما انها لا تجيب عن تحركاتها الانتهازية المتناقضة، اذ تخوض الانتخابات في يافا تل ابيب بقائمة تحالفية مع التجمع، بينما تحارب التجمع في مواقع اخرى؟
عملية تفكك الاحزاب لم تظهر فقط في تل ابيب، والتي بلغت ذروتها في الانقسام بين العرب واليهود داخل الجبهة، بل في بعض القرى العربية. في طمرة مثلا رشحت الجبهة شخصين منفصلين، احدهما الرئيس الحالي عادل ابو الهيجاء وقد دعمته الجبهة القطرية، اما الثاني فهو الدكتور محمد سروات حجازي الذي رشحته الجبهة المحلية. وبالرغم من ان مرشح الجبهة المحلي لم يصل للجولة الثانية التي انحصرت بين ابو الهيجاء وممثل الحركة الاسلامية موسى ابو رومي، الا ان هذا الامر لم يثن الجبهة المحلية عن الدعوة لمقاطعة الانتخابات وعدم دعم اي من المرشحين.
وقد شهدت الانتخابات المحلية كالعادة انقسام البلد بين اكبر عائلتين، وفي هذا لا جديد تحت الشمس. ولكن الجديد ان هذا المجتمع الذي يمر بحالة تمزق اشد واشرس من ذي قبل، يشهد كيف تنقسم حتى نفس العائلة بين اكثر من مرشح. ففي اكثر من بلد فاق عدد المرشحين للرئاسة ستة وسبعة واحيانا اكثر من عشرة مرشحين. وكلهم "يريدون" خدمة البلد، يريدون انقاذ الطفولة التي تدهس بمعدلات مخيفة كل عام في الشوارع لانعدام الحدائق العامة والامكنة المعدة للعب الاطفال، يريدون - وكيف لا - انقاذ جهاز التربية والتعليم.
العائلة تقوم بمبايعة علنية لمرشحها، ولا يبقى لهذه العائلية سوى المراسيم الشكلية للديمقراطية مثل ان تجري العائلة "برايمرز" لاختيار المرشح، وكأن كل ابناء العائلة لهم نفس التفكير، الاهتمامات والقناعات. باختصار القطيع مطالَب بان يصوّت، والويل لمن يخرج عن الاجماع.
افلاس السلطات المحلية
الحرب على السلطة المحلية لا تكون من اجل خدمة مصلحة البلد كما يدعي المرشحون، بل لان السلطة المحلية هي المشغِّل الاساسي في البلدة. وفي ظل انعدام المناطق الصناعية في البلدات العربية، ومع ارتفاع معدلات البطالة والفقر، يتحول المجلس الى المصنع الاهم واحيانا الوحيد. تشبّث العائلة بمرشحها يأتي من مصلحة اساسية وهي الحصول على وظيفة في المجلس القادم. اذ يتم تعيين ذوي القربى لوظائف حتى لو يكونوا اهلا لها، ويتم بذلك ابعاد الاكفّاء، الامر الذي يعود بالخراب والدمار على الخدمات المرجوة من هذه السلطة.
جهاز السلطات المحلية، العربية بالذات، أعلن افلاسه منذ زمن، ولم يبق للمواطن الا ان يتمنى ان يتم على الاقل جمع النفايات في الوقت، وألا تُقطع المياه عنه. ونظرا للفساد المستشري في السلطات المحلية تم تفكيك 25 سلطة محلية وتعيين لجان معينة من الحكومة فيها، منها 17 سلطة محلية عربية.
سوء الاداءة وفساد السلطة واستغلال المال العام بطريقة خاطئة، هي السمات التي تميز منذ مدة السلطات المحلية. فإذا فزت بالرئاسة فهذا لانك وعدت واقسمت اغلظ الايمان ان تفي بوعدك بتوظيف فلان وتخفيض رسوم "الارنونا" لعلان، وتعبيد شارع لاحد المقربين لانه سيحتفل بزواج ابنته. الند لا يقف مكتوف الايدي، فهو حتما سيمتنع عن دفع الارنونا ويعمل على افشالك حتى تقوم السلطات بحل المجلس وتعيين لجنة معينه وتعلن وفاة السطة المحلية. بذلك يقود تبذير المال العام وسوء الادارة الى تدمير مجتمعنا العربي، والاضرار بالمدارس والمؤسسات الخاضعة للسلطة المحلية، والاهم انها وصفة مؤكدة للقضاء على مكانة المواطن وتجاهل حاجاته.
المشكلة الاساسية ان الاحزاب السياسية لا تستغل المعركة الانتخابية لطرح المشاكل الاساسية التي يعاني منها مجتمعنا. الارتفاع الخطير في معدلات الفقر والبطالة، وانهيار جهاز التعليم وشح الاراضي، لم تعد تؤخذ بالحسبان. وبدلا من الارتقاء بالمواطنين الى خطاب عقلاني وبرنامج يوحدهم على قضاياهم المصيرية، ترى الاحزاب تتحرك من منطلق خوفها على كراسيها، فتنزل هي الى الخطابات الشعبوية سواء القومية او الدينية المنغلقة، وتكرس بالتالي نمط التصويت العائلي والطائفي.
عنف، فساد وتزوير
العناوين في الصحف التي تتحدث عن انتشار اعمال العنف في القرى والمدن العربية، اصبحت جزءا ملازما للحملات الانتخابية في الوسط العربي. من مظاهر العنف، طعن شاب على خلفية الانتخابات في رهط، القاء قنبلة صوتية في كفر ياسيف، "طوشة" في عيلوط والرينة، حرق سيارات وحتى حرق قسم الجباية في بلدية ام الفحم. هذا هو مصير الديمقراطية في مجتمعنا، فهي مقبولة اذا كانت تخدم بعض المتنفذين فيه، وان لم تحقق مأربه يلجأ لسياسة العنف بجميع اشكاله.
بعد ان يعمل كل مرشح على تقطيع النسيج الاجتماعي في القرية، تراه يرفع شعارا جاهزا لمثل هذه الحالات المؤسفة، مثل الدعوة للتآخي والوحدة بين ابناء البلد، و"الانتخابات يوم واهل البلد دوم". وهو يسمح لنفسه بذلك، فقط لانه خرج فائزا. اما الطرف المعارض ففي الكثير من الحالات يتوجه للمحكمة للطعن في نتائج الانتخابات، ويتهم الطرف الفائز باخفاء المغلفات، الرشاوى والتزوير، علما ان الاموات في وسطنا العربي لا يزالون يمارسون حقهم في الانتخاب في البلدات العربية!
"على الكلام ما في جمرك"، اعتاد اجدادنا القول. ويكفي النظر لاستغلال قضايا المرأة في معارك الانتخابات. فالمرشح يحاول ايهامك بانه يريد الكرسي ليعمل على رفع مكانة المرأة، بعد ان اكتشف انها نصف المجتمع (ونصف الاصوات)، ويدعي العمل من اجل تغيير وضعها. والادهى والامرّ رفعه شعار "بناء الانسان"، ولكنه يقصد عمليا الانسان اذا كان منتميا "للعائلة المالكة"، عندها فقط سيكون بامكانه الحصول على وظيفة حتى لو لم يملك المؤهلات لإشغالها.
نمط التصويت في الانتخابات المحلية في الوسط العربي، هو عدم ايمان المجتمع العربي بقدرته على التأثير في السياسة الاسرائيلية، او حتى على ادارة شؤونه المحلية. لقد شطبت الجماهير العربية نفسها كجسم سياسي، كجسم له حاجات وطموحات كأي مجتمع. ان مواصلة الاقتتال الداخلي هو افضل حالة تتمناها السلطات الاسرائيلية، ولكن علينا القول بوضوح ان اتهام دولة اسرائيل بكل مصائب العرب يصبح بلا مصداقية عندما نضيّع من ايدينا كل الفرص، واحدى اهمها الفرصة لادارة مجتمعاتنا المحلية بأنفسنا.
اضف تعليقًا
ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.