قرار بزيادة 5000 عامل فلسطيني - دون تنفيذ
ليس هناك جواب واضح بالنسبة لسياسة التصاريح الاسرائيلية واهدافها. من جهة، صرح شاؤول موفاز عام 2004 حين شغل منصب وزير الامن، ان اسرائيل حتى عام 2008 ستتوقف نهائيا عن تشغيل عمال الضفة ولن تمنح تصاريح عمل ابدا. وكان التصريح جزءا من عملية الانفصال الاحادي الجانب عن قطاع غزة. ولكن رغم ذلك، صدر قرار حكومي في شهر نيسان (ابريل) 2008 بزيادة 5000 تصريح عمل لعمال الضفة، 2000 منهم في مجال البناء.
ولكن القرار الذي اعتبره عمال الضفة بشرى ولو محدودة، تضمن بندا يطالب كل مشغِّل اسرائيلي بان يدفع للحكومة 3,378 شيكل شهريا كرسوم عن كل عامل بناء فلسطيني. يذكر ان الاقتراح جاء ضمن تقرير قدمه تسفي اكشتيان، نائب عميد بنك اسرائيل، في ايار 2008 حول السياسة الاقتصادية بالنسبة للعمال الاجانب وهو مشمول كاقتراح في ميزانية 2009.
لم يتم تنفيذ القرار حتى اليوم بسبب خلاف حول بند الرسوم، بين وزارة المالية التي قدمت الاقتراح وبين وزارة الامن التي ترفضه. صحيح ان وزارة الامن تخشى من دخول العمال الفلسطينيين الى اسرائيل دون رقابة، ولكنها تخشى ايضا من سياسة التجويع الكاملة التي قد تقود لانفجار متجدد للاوضاع، وتعتبر ان بند الرسوم عقبة امام تشغيل العمال. اما وزارة المالية فتبرر بند الرسوم بانه ضروري كيلا يصبح تشغيل العامل الفلسطيني ارخص من تشغيل العامل الاسرائيلي. حسب ادعاءات المالية، تكلف ساعة العمل في البناء للاسرائيلي 28.6 شيكل، مقابل 26.3 شيكل للعامل الاجنبي، في حين يكتفي العامل الفلسطيني ب12.7 شيكل فقط.
السلطة الفلسطينية ترفض هي الاخرى بند الرسوم، وتعتبره منافيا للاتفاقيات بين الجانبين، ولاتفاقيات العمل الدولية التي تعارض التمييز بين عامل وعامل على اساس قومي. اتحاد مقاولي البناء الاسرائيليين يرفض الاقتراح هو الآخر، ويدعي انه ليس بالامكان الاعتماد على قوة العمل الفلسطينية بسبب سياسة الطوق وفوضى تصاريح العمل التي تمنع الاستقرار في العمل. هؤلاء طبعا لا يمانعون في تشغيل العمال الفلسطينيين بشكل غير منظم، ودون رسوم، حتى يسهل استغلالهم.
ولا بد من الاشارة الى ان اتفاق اوسلو وما لحقه من طوق على المناطق المحتلة منع دخول العمال الفلسطينيين للعمل في اسرائيل، كان المقدمة لقرار استيراد العمال الاجانب، الذين بدلوا العمال الفلسطينيين والاسرائيلين معًا. لو كانت الحكومة تسعى بالفعل لتشجيع العمال المحليين لدخول دائرة العمل، لكان عليها وقف استيراد العمال الاجانب اولا، ومن ثم افساح المجال لتشغيل العمال الفلسطينيين والمحليين مكانهم.
كلمات للبحث
العمال الفلسطينيون: دون امل بالعمل
وضع العمال في منطقة ابو ديس العيزرية الواقعة بين القدس وبين مستوطنة معاليه ادوميم صعب للغاية. تستثمر اسرائيل مبالغ هائلة في بناء المعابر الحدودية حول القدس الكبرى، لاعتبارات سياسية واضحة، واصبح دخول سكان منطقة ابو ديس للقدس بحثا عن العمل، حلما بعيد المنال.
انهيار بورصات العالم وخطر الركود الاقتصادي لا يعني الكثير بالنسبة للعمال الفلسطينيين. فمنذ عام 2000 هدم اقتصادهم تماما، وبقوا دون مصدر رزق كريم. تبلغ نسبة البطالة بين الفلسطينيين في سن العمل بالضفة الغربية 40%، حسبما افادنا فوزان عويضة من قسم الابحاث في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين. اما عمال القطاع الخاص، فعددهم قليل ويعيشون تحت خط الفقر الذي يبلغ 2600 شيكل في الشهر لستة انفار، ذلك ان اكثرهم يعملون اياما معدودة في الشهر.
يبلغ عدد العمال الفلسطينيين بالضفة الغربية 350 الفا، وذلك حسب احصائيات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين. وباستثناء ال130 الفا من موظفي السلطة الذين يتقاضون 2000 شيكل شهريا فما فوق، ليست هناك مصادر رزق حقيقية، ولا امل للعمال بالعثور على مكان عمل. فمن مجمل 120 الف عامل فلسطيني عملوا داخل اسرائيل قبل اكتوبر 2000، لم يبق سوى 14 الف عامل مع تصاريح عمل، اضافة الى 20-30 الفا يعملون بلا تصاريح، حسب تقدير عويضة، وهؤلاء بطبيعة الحال معرّضون للملاحقات والطرد والسجن.
تقرير جلعاد نتان من مركز الابحاث في الكنيست حول "زيادة حصة العمال الفلسطينيين في اسرائيل" الصادر في تموز 2008، يفيد بان عدد العمال الفلسطينيين ذوي التصاريح الذين يعملون داخل اسرائيل يبلغ 21,641، يعمل معظمهم في البناء، والباقون في الزراعة، الصناعة والفنادق.
معزل ابو ديس
وضع العمال في الضفة الغربية صعب للغاية، واصعب منه الوضع في منطقة ابو ديس العيزرية الواقعة بين القدس وبين مستوطنة معاليه ادوميم. قبل بناء الجدار الفاصل اعتمد سكان المنطقة على العمل في القدس، ولكن بعد الجدار، وما يرافقه من حواجز عسكرية ومعابر حدودية، عُزلت المنطقة تماما عن القدس وعن الضفة الغربية ايضا.
تستثمر اسرائيل مبالغ هائلة في بناء المعابر الحدودية حول القدس الكبرى، لاعتبارات سياسية واضحة. بين القدس والضفة كانت هناك ثلاثة معابر حدودية رسمية رئيسية، هي "بيتونيا"، "عطاروت" و"راحيل"، هذا اضافة للحواجز العسكرية مثل الزعيم والرام وغيرها. حاليا تقوم اسرائيل بالتخطيط لبناء تسعة معابر حدودية اضافية، منها "ادوميم" و"سواحرة"، كما تكشف وثيقة قسم الابحاث التابع للكنيست من عام 2006 بعنوان "المعابر الحدودية لاسرائيل من غزة ومن الضفة الغربية" (باللغة العبرية).
وقد أتمّت اسرائيل بناء احد هذه المعابر، وأُطلق عليه اسم "الزيتون". ومن المتوقع ان يتم ربطه بشارع جديد خاص بالفلسطينيين تعمل اسرائيل على شقه هذه الايام من العيزرية لرام الله لتفادي المرور بشارع معاليه ادوميم. وسيسمح الشارع الجديد لاسرائيل بربط مستوطنة معاليه ادوميم بمنطقةE1 وضمها للقدس، الامر الذي يعني فصل ابو ديس نهائيا عن القدس وتحويلها الى معزل. يذكر ان هذا المشروع أثار في السابق جدلا سياسيا مع الادارة الامريكية.
بهذا المشروع يكون دخول سكان منطقة ابو ديس للقدس بحثا عن العمل، حلما بعيد المنال، وممكنا فقط لقلة من العمال المحظوظين الذي حصلوا على تصاريح عمل.
يذكر ان تصاريح العمل تعطى فقط لمن تجاوزت سنه ال35 عاما، ويسري مفعولها لثلاثة اشهر فقط. العمال الذين التقينا بهم في هيئة المنى الفلسطينية في ابو ديس لغرض إعداد هذا التقرير، افادوا بان حتى العدد القليل من التصاريح يتم الغاؤه اذا ما اعلنت اسرائيل عن تشديد الطوق واغلاق المعابر، كما تُلغى في احيان كثيرة بشكل تعسفي في المعابر نفسها. صحيح انه في الآونة الاخيرة لم تعد هناك مشكلة في الحصول على البطاقات الممغنطة، وهي شرط مسبق للحصول على التصاريح، ولكن هذه البطاقات لا تضمن اطلاقا حصول العامل على تصريح العمل. وتدفع هذه التضييقات بالكثير من العمال الشباب للمغامرة بدخول القدس دون تصريح، اما الاغلبية الساحقة من عمال المنطقة فقد يئسوا من مجرد المحاولة.
قريبة من القدس ولكن بعيدة
ايوب الطويل (40 عاما) من العيزرية، عمل في محطة الباصات المركزية بالقدس، وفي مطعم "مالك الحمص" لست سنوات، وفي "مليون مكان عمل آخر خلال السنوات الماضية" على حد تعبيره. فصل الطويل عن عمله خلال حرب الخليج (عام 2003) بسبب الاوضاع والطوق، ولم يحصل بعدها على تصريح بدخول اسرائيل للعمل، ل"اسباب امنية" غير واضحة، يقول: "حاولت مرة دخول القدس دون تصريح، ولكنهم قبضوا علي و"بهدلوني"، فتوقفت عن المحاولة".
اليوم يعمل الطويل سائق تاكسي في ابو ديس، كغيره الكثير من الرجال في المنطقة لان الجدار شطر ابو ديس لنصفين، وصار الوصول من مكان لآخر صعبا للغاية. يقول الطويل: "اذا تقاضيت 50 شيكل في اليوم، فاني اعتبر نفسي محظوظا جدا".
حضرت اللقاء السيدة اسمهان، وهي ام لعامل في الواحدة والعشرين من العمر، معتقل في سجن الشارون بسبب جدال مع ضابط عند حاجز الزعيم العسكري رفض السماح له بالعبور للقدس بحثا عن عمل، حسب ادعاء الوالدة. المشكلة، تقول اسمهان، ان الحصول على تصريح مرهون بطلب يقدمه صاحب العمل لمكاتب مديرية التنسيق والارتباط، ولكن اذا مُنع العامل من دخول اسرائيل، فكيف سيكون بامكانه التعرف على صاحب عمل واقناعه بان يطلبه للعمل؟ اضطرت اسمهان لتوكيل محام للافراج عن ابنها، ومع انها دفعت للمحامي اتعابه ولاسرائيل غرامة بقيمة 2000 شيكل، لم تفلح مساعيها في تحرير ابنها، وبقيت العائلة دون معيل حتى كتابة هذه السطور.
زكي (41 عاما) عامل بناء واب لعشرة اولاد، عمل حتى عام 2000 في اسرائيل. في تلك السنة بالذات شارك في مناسك الحاج، ولدى عودته طالبه ضابط في المخابرات بالادلاء بمعلومات عن بعض الحجاج، وازاء رفضه التعاون تحول الى مشبوه امنيا وحرم من الحصول على تصريح بالعمل. حين كان زكي بحاجة لاجراء عملية في المعدة، قبل بناء الجدار النهائي الذي طوله 8 امتار، اضطر للتسلل والزحف على بطنه للوصول الى مستشفى المقاصد في القدسوكانت تلك آخر مرة زار فيها العاصمة. ابنته تتلقى تعليمها في الجامعة، ولكنه يدرك ان فرصها في الحصول على عمل محدودة او حتى معدومة، فالسلطة لا تشغل المعلمين الجدد في هذه المنطقة. حاليا، تنفق العائلة مدخولها المحدود على الغذاء، في حين تتراكم ديونها لسلطة الكهرباء، المياه والضرائب.
رهائن لدى المشغِّلين
هذا الوضع يحول العمال الى فريسة سهلة لارباب العمل. يقول العامل محمود جهالين ان العمال في المستوطنات يتقاضون 80 شيكلا ليوم عمل يستمر من السابعة صباحا للسابعة مساء. وحتى حتى هذا الاجر الهزيل ليس مضمونا. عمل محمود مع 20 عاملا آخر لدى مقاول فرعي في مستوطنة معاليه ادوميم، ولما جاء وقت الدفع اعلن المقاول افلاسه. الشركة الام لم تعترف بهم ايضا، وبذلك خسر العمال اجورهم عن شهري عمل، ولم يفلح محاميهم في استرداد حقهم. منذ ذلك الوقت تم تطويق معاليه ادوميم بجدار اضافي، مما اضطر محمود ان يعتمد في معيشته على تربية الغنم، مثل اجداده، رغم ان "التكاليف تفوق المدخول"، حسب قوله.
ينص القانون الاسرائيلي على حصول العامل الفلسطيني الذي يملك تصريحا بالعمل على نفس حقوق العامل الاسرائيلي، بما في ذلك الحقوق الاجتماعية. ولكن على ارض الواقع، لا يجرؤ العامل على مطالبة المشغِّل بحقه، لانه اصبح رهينة لديه ومتعلق به للحصول على التصريح كل ثلاثة اشهر. سلوى علينات النشيطة في جمعية "خط للعامل"، نشرت تقريرا مفاده ان بعض المشغِّلين في مستوطنة "بركان" مثلا، يطالبون العامل بان يدفع لهم الف شيكل مقابل التصريح، واضافت ان الظاهرة معروفة لدى مشغِّلين داخل اسرائيل ايضا.
يقول عويضة من اتحاد النقابات الفلسطينية ان آلاف العمال الفلسطينيين عملوا سنوات طويلة في اسرائيل، وحين سدت المعابر طريقهم الى العمل، فقدوا حقوقهم ولم يتمكنوا من تحصيلها لعدم تلقيهم قسائم اجور رسمية، او اي اثبات آخر لعدد ايام وساعات عملهم. اتحاد النقابات يوكل في العادة محامين من اسرائيل للترافع باسم هؤلاء العمال، ولكن في حالات معدودة فقط يحقق المحامون انجازا قضائيا. تأتي الصعوبة بسبب ادعاء المشغِّلين عدم قيامهم بفصل العمال، وعدم مسؤوليتهم عن عدم امكانية العامل الوصول للعمل. هذا عن العمال المصرّحين، اما عن غير المصرحين فحدث ولا حرج، فهؤلاء تضيع حقوقهم ولا يجدون حتى من يطالب لهم بها.
قضية تشغيل العمال الفلسطينيين في اسرائيل والدفاع عن حقوقهم هي قضية سياسية من الدرجة الاولى، ومرهونة بالوضع الامني والسياسي، وبفتح الحدود امام العمال الفلسطينيين. وطالما يبقى الحل السياسي غير وارد، يصبح من الضروري تغيير التعامل مع القضية وتوفير حلول مؤقتة، كما يقول عويضة. ومن ذلك، عدم الغاء التصاريح بشكل تعسفي كلما فُرض الاغلاق، إعفاء العمال من اضاعة ساعات العمل في الحواجز والمعابر، والحفاظ على حقوقهم.
اضف تعليقًا
ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.