زهدي قادري

عندما يتحول العنف لروتين

زهدي قادري

الفنان زهدي قادري ، من مواليد 1972 من قرية نحف. عاش في روسيا في مدينة بطرسبرغ بين السنوات 1995- 2005، تعلم الفن لمدة سبع سنوات في جامعة موحينا، وحصل على اللقب الثاني في الفن التذكاري. عودته للبلاد، لقريته نحف، كانت مصحوبة بالصعوبات، منها الاحساس بالغربة، وصعوبة ايجاد وظيفة في سلك التعليم. يقول قادري للصبار: "يجب علي ان اتكلم باللغة العبرية لكي يفهموني، وكل شيء معقد بسبب كوني عربي". منذ عودته وحتى اليوم شارك في عدد قليل من المعارض الجماعية في بيت الكرمة بحيفا، والمعرض البلدي بطمرة ومعرض "خبز وورود" بتل ابيب.

في الصور الثلاثة التي يقدمها ضمن المعرض في المتحف الاسلامي، والتابعة لمجموعة "ولادة قيصرية"، يقطع قادري القماش بسكين ويرسم صورا مجردة من الاشكال الهندسية، المتأثرة بتيار ساد في بداية القرن العشرين، تيار الرسم الهندسي. الاسلوب الذي اتبعه في اعماله، والذي يعبر عن الشعوب بالاغتراب عن الفن السائد اليوم في اسرائيل، يربط بين التغيير الداخلي الذي مر به في بطرسبرغ، والالتقاء المتجدد بين المجتمع الشرقي واسرائيل الذي عايشه مع عودته للبلاد.

يقول قادري: "مررت بفترة صعبة من الاحتكاكات والتناقضات، لدرجة كادت تكسر معنوياتي. لكني قررت ان ابقى وان اشق طريقي وان اجد لي مكانا". واضاف قائلا: " بدأت العمل على هذه المجموعة بعد عملية قيصرية اجريت لزوجتي، ومن هناك تطور الامر لممارسة العنف بواسطة السكين على القماش. من خلال العملية القيصرية تطور الموضوع باتجاه جرح داخلي. لاحظت اننا عندما نجرح صورة عدة مرات، يتحول العنف الى روتين مبرمج، وعندها تتوقف عن كونها عنفا.

"من خلال عملي على المجموعة وصلت لموضوع العنف الموجّه ضد الفنانين في مجتمعنا العربي، وهو لا اقل من اغتصاب يومي. هذا المجتمع لا يعترف بالفنانين، يعتبرهم غرباء ويحكم عليهم بالعزلة. نحن بحاجة لثورة اجتماعية لاقناع الجمهور العربي بان الفن مثل الاكسجين، حيوي للتنفس ولا امكانية للتنازل عنه. علينا تمرير الموضوع للاولاد من سن مبكرة حتى ينشأ جيل يحترم الفن ويقدّره".

كلمات للبحث

فن تشكيلي, متحف الاسلام بالقدس


تاريخ النشر ٠٦/١١/٢٠٠٨

ثقافة

"تكاتب" – معرض جماعي لفنانين عرب في متحف الاسلام بالقدس

داني بن سمحون

يقوم 13 فنانا عربيا بعرض اعمالهم في معرض جماعي تحت اسم " تكاتب"، وذلك في متحف الاسلام بالقدس. افتتح المعرض في اواخر شهر تموز الماضي، وهو يشكل فرصة لاطلاع زائريه على عدد كبير من اللوحات التي تصور الصراعات التي تشغل بال الفنانين والمجتمع العربي عموما.

اسم المعرض، "تكاتب"، يدل على الرسالة الرئيسية التي اراد المعرض نقلها، وعلى المعايير التي بموجبها تم اختيار الفنانين والفنانات المشاركين فيه. منظّم المعرض الفنان فريد ابو شقرة قال للصبّار: "ان هناك الكثير من الفنانين العرب الذين يقدمون فنا راقيا. وقد قمت باختيار مجموعة منهم تمثل في رأيي الفنانين الذين يتكاتبون مع الواقع المعقد الذين يعيشون فيه، والذي ينقسم بين المجتمعين الاسرائيلي والعربي".

ختام يونس

في كتالوج المعرض يكتب ابو شقرة: "معرض "تكاتب" يقدم تجربة للمصالحة والمصادقة مع ثقافته وثقافة الآخر بما تحمله هذه الثقافة من حدود سياسية واجتماعية، من دافع الخوف والشك والفضول للمعرفة، من دوافع اثارة الجدل من جهة، ومن جهة ثانية الحوار والتكاتب الثقافي الانساني".

احلام بصول

ابو شقرة يدرس الفن وهو ايضا فنان نشيط، نظّم في السابق معرضا مشابها في كلية "اورانيم" ضمن مؤتمر عقد تحت عنوان "الهوية والمخاوف"، ويعتبر المعرض الحالي توسيعا لنفس فكرة المعرض السابق. راحيل حسون، المديرة الفنية لمتحف الاسلام توجهت الى ابو شقرة وافسحت له المجال لتحقيق حلمه. وتعتبر هذه المرة الاولى التي يبادر فيها متحف اسرائيلي الى تنظيم معرض بهذا الحجم لفنانين عرب، حسب ابو شقرة. كما انها المرة الاولى التي يمنح فيها المتحف لفنان عربي امانة المعرض.

مرفت عيسى

يضيف ابو شقرة: "تنظيم معرض بهذا الحجم وبهذا المستوى المرموق يحتاج الى رعاية متحف ولا تكفي لذلك المبادرات الشخصية. فموضوع الاضاءة مثلا يأخذ حيّزا مهما في المتحف". وبالفعل، تبدو الاضاءة وكأنها تدعو المشاهد لأخذ استراحة قصيرة لتفحّص الواقع من خلال الفن.

يرافق المعرض كتالوج ملون يضم شرحا عن عمل كل فنان وفنانة، كما تم نشر اعمالهم الفنية على موقع متحف الاسلام في الانترنت. وقد دأب مكتب العلاقات العامة التابع للمتحف للترويج للمعرض، مما ساعد على تعريف مجموعة كبيرة من الجمهور بوجود المعرض وزاد نسبة الزائرين له.

يشارك في المعرض عدد من ابرز الفنانين الناشطين في اسرائيل، منهم: بثينة ملحم، فاطمة ابو رومي، وليد ابو شقرة، احلام بصول، هدى جمال، خضر وشاح، ختام يونس، احمد كنعان، منال محاميد، اسد عزي، مرفت عيسى، حنا فرح وزهدي قادري. يعرض الفنانون اعمالهم باساليب فنية مختلفة، مثل "الفيديو آرت"، التصوير، التطريز، الرسم التقليدي والنحت.

في النص المرافق للمعرض يطرح ابو شقرة السؤال حول الادوات التي على المثقف تبنّيها في فترة تتميز بالتناقضات والازدواجيات؟: "السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي الوسائل والأدوات التي يجب على الفنان من كلا أطراف الثقافة أن يتعامل معها ليستطيع من خلالها أن ينخرط ويتماه بفكره معلنا تفرده وتميزه".

يرى ابو شقرة ان الفنان يواجه الادعاء الخاطئ بان الهوية هي قضية جامدة لا تقبل التغيير. فنتازيا الهوية القومية تتفجر لتتحول الى هوية مركبة، تتغير طول الوقت عندما تواجه الواقع وتتأثر به. الفنانون مرتبطون بالفن الحديث، لكن في الوقت ذاته يحافظون على علاقتهم بالتراث. يتواصلون مع العالم بواسطة الانترنت، لكن يعيشون في القرية التقليدية. هذه هي محاولة طرح تعدد الهويات، الثقافات، الاجتماعية منها والسياسية التي يواجهها المجتمع العربي وفنانوه.

عشرات ارغفة الخبز التي وُضعت فوق بعضها البعض، تستقبل الوافدين للمتحف. انه عمل فني لمرفت عيسى، مصنوع من الكراميكا، وتبدو الارغفة وكأنها خرجت للتو من الفرن وان احدا كان من الممكن ان يهمّ بأكلها، ولكن الزمن توقف، فلم يفعل. في القاعة تعرض عيسى عددا من ارغفة الخبز داخل اطار، وكأنها تحولت هي نفسها الى صور، وعليهم رسمت اشارات مثل صليب، خطوط المِرْجَفة (مِرْسَمَةُ الزلازل)، والتي تُبرز عوامل الوقت الذي تجمد وتوقف عند زمن المأساة.

من الجدير ذكره ان الجزء الاكبر من المشاركين في المعرض هم من الفنانات. منال محاميد تقدم جدارا منخفضا يقسم فراغ الغرفة، مبني من اشكال مصنوعة من بلوكات من الورق، وعليه رسائل غرامية. في قمة الحائط شريط فيديو، تبدو فيه يد تحمل وردة ويد اخرى تمزق اوراق الزهرة الصفراء واحدة تلو الاخرى. ثم يغطي الشاشة مشهد آخر يظهر لونا احمر لورم سرطاني. الفيلم يثير مشاعر متناقضة، بين السذاجة والبداية وبين الدمار والنهاية، وفي الخلفية يسمع صوت زقزقة عصافير.

عصافير اخرى في المعرض هي للفنانة هدى جمال، التي رسمت عصافير سوداء باسلوب التطريز على فوط التنظيف. يثير العمل الاحساس بالوحدة، الغربة، وعدم الانتماء الذي تحسه المبدعة، بصفتها امرأة وفنانة. الصورة الزيتية الكبيرة لفاطمة ابو رومي تتطرق هي ايضا لمكانة المرأة في المجتمع، ولعلاقات القوة والخضوع في المجتمع الابوي السلطوي. ابو رومي تصور مشهدا تبدو فيه مختبئة جزئيا وتنظر للمشاهدين من وراء ظهر رجل يمكن ان يكون والدها.

تعرض ختام يونس اعمالا فريدة من نوعها. فهي تقدم رسومات على شجرة اشبه بقمر صناعي يصور الكرة الارضية. بواسطة التراب ومواد اخرى تخلق يونس عالما يظهر احيانا كصورة لمنظر قديم، واحيانا كعالم مدمر ومتصدع. وتثير الرسومات العديد من الاسئلة حول الحدود، الهجرة والانتماء، وتحث المشاهد على ان يجد داخلها معاني شخصية خاصة به.

عامل الوقت يظهر ايضا في اعمال احلام بصول. الصور الحادة صاحبة الالوان الفاقعة تبلبل انطباعات المشاهدين، فهي تظهر للوهلة الاولى كمناظر طبيعية، وبعد برهة من الوقت يستوعب المشاهد انه امام طبيعة اقتلعت من مكانها. المناظر الطبيعية ترمز للمناظر الداخلية المجزّأة والابنية المهدمة التي تمتزج بالطبيعة، مما يجعل المشاهد يشعر بالقشعريرة. المناظر الطبيعية تنطوي على الم الاقتلاع والدمار الذي تعانيه الانسانية.

الفنان حنا فرح يتكاتب مع شخصية يوحنا المعمداني الذي مات دفاعا عن مبادئه. وهو يقدم صورة لرأسه المقطوع على طبق من نحاس. في مشهد فيديو نرى سكينا تقسم بذرة لحبة خوخ الى اثنتين. هذه العملية تُظهِر بذرة الخوخ في عملية تحول الى جوهرة. مرشدة الفيديو تفسر لمجموعة من زوار المعرض، ان البذرة أُخذت من مكانها الطبيعي الذي يضمن لها الاستمرارية، وتركت تنصهر مع الخارج العنيف، ومكانها وُضع عضو غريب في بيئة ليست بيئته. الجوهرة تُستغل من الآن فصاعدا للتزيين فقط، وترمز للطمع وتدمير الطبيعة.

الخروج عن المألوف

تنظيم المتحف الاسلامي لهذا المعرض يعتبر خروجا عن المألوف. منذ افتتاح المتحف عام 1975، يقدم المتحف الاسلامي معرضا يتبدل كل عام، من التراث الاسلامي العظيم في مجال الفن، الهندسة المعمارية، فن الخط، فن صياغة المجوهرات، صناعة السجاد التي امتدت على مدى فترات من الزمن وقارات مختلفة، بدءا من القرن السابع وحتى يومنا هذا، من الاندلس حتى الهند. وبطبيعة الحال، عدد المهتمين بالفن والتاريخ الاسلامي في المجتمع الاسرائيلي اليهودي، غير كبير، ولذا لم يجذب المتحف الاسلامي عادة الا عددا قليلا من الزائرين.

غير ان تنظيم معرض "تكاتب" استطاع ان يجذب جمهورا جديدا من هواة الفن. وقد اثارت اعمال المعرض مشاعر متناقضة من التضامن من جهة والشعور بالرفض من جهة اخرى. جذب المعرض آلاف الزوار اليهود، بالاساس من السياح، ونشر عنه في الصحافة العبرية والانجليزية. من جهة اخرى، اثار المعرض موجة من الاحتجاج، خاصة ضد المواضيع التي تطرق اليها الفنانون العرب كالقرى التي هُجّر اهلها عام 48، وموضوع النكبة. تقول مرشدة المتحف انه "من الصعب تنظيم معرض حول مضامين لفنانين عرب، تحمل خطا سياسيا، دون ان يثير ردود فعل معارضة. وكان بين الزوار من طلب مني عدم التطرق لمواضيع سياسية. ولكن في نفس الوقت كانت هناك ردود فعل داعمة".

عندما ينغلق كل من المجتمع الاسرائيلي والعربي على نفسه، إما بسبب اللامبالاة والحياة المريحة، وإما بسبب اليأس والفقر، يصبح معرض من هذا النوع نافذة مهمة لبناء علاقات بين الطرفين على اسس جديدة. الفنانون العرب يقدمون روايتهم الشخصية والوطنية، ورغم حالة الرفض التي يشعرونها، الا انهم ايضا يتوقون للاندماج في الحياة الفنية والثقافية في البلاد. انهم يعانون من تجاهل المجتمع لهم، ولكنهم يريدون ان يُسمع صوتهم ويحتاجون لمن يقدر اعمالهم.

"لا نريد ان نذوب، ولكننا نريد ان يكون لنا وجود في ثقافة الآخر" يقول ابو شقرة للصبّار. "هناك فنانون عرب ذوو قدرات عالية، وحان الوقت ان تأخذهم الجهات المسؤولة بالحسبان. للفنان العربي هوية اصلية تتطور وتتأثر بالبيئة المحيطة بها، ولكنه لا يستطيع ان ينفصل عن اصله. من حقه ان يختار بما يتأثر، دون خوف من قمع الاحتلال او التقاليد".

المعرض في المتحف الاسلامي كان فرصة ممتازة للفنانين العرب لعرض اعمالهم. زهدي قادري قال: "اشعر ان هذه هي المرة الاولى التي احصل فيها على اعتراف من المجتمع كفنان. بعد المعرض شعرت لاول مرة بالاهتمام باعمالي، وحصلت على اقتراحات من جامعي اللوحات الفنية".

برزت في المعرض قضية مؤلمة اخرى، هي تدني عدد زائري المعارض العرب. هنالك فجوة كبيرة بين صراع البقاء والواقع اليومي للمجتمع العربي الذي يعاني الفقر والتهميش والبعيد عن فهم لغة الفن، وبين الاجواء المغلقة البعيدة عن الجمهور العام التي يطرحها المتحف. هذا يسبب لدى الفنانين احساسا بعدم الارتياح.

غياب الجمهور العربي عن المعارض هو نتيجة عدم وجود متاحف في البلدات العربية. في السنوات الاخيرة تحولت المتاحف الى مقياس لوضع ومكانة المدن والبلدات، مثل المتاحف في بات يام، بيتاح تكفا، اشدود، وهرتسليا. لكن هذه الظاهرة الجديدة لم تصل بعد القرى العربية، هذا بالرغم من تزايد عدد صالات العرض في البلدات العربية التي تعبر عن مبادرات شخصية لفنانين يعشقون الفن بشكل خاص.

"لدينا مجموعة ممتازة من الفنانين"، يقول ابو شقرة "لكن ينقصنا الجمهور. انها بلا شك مسيرة تربوية طويلة، لكن يجب البدء بها. الفنانون مثل الجيش الذي يجب ان يشق طريقه الى قلب الجمهور، وان يقنعه بان يرى في الفن جزءا اساسيا من حياته، وليس ولدا شاذا. على الفنان ان ينشط ليس فقط من اجل تنظيم المعارض، بل من اجل خلق جيل جديد من طلاب الفن وهواته الذي يزورون المعارض ويتبنون الفن كجزء اساسي في الحياة".

اضف تعليقًا

ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.

الاسم

البريد الالكتروني

العنوان

موضوع التعقيب

تعليقك على الموضوع

Home نسخة للطباعة