تاريخ النشر ٠٦/١٠/٢٠٠٨

شؤون محلية

قائمة "المدينة لنا جميعا" تعمق الانقسام بين تل ابيب ويافا

اساف اديب

قائمة "المدينة لنا جميعا" التي رشحت عضو الكنيست من الجبهة دوف حنين لرئاسة بلدية تل ابيب هي في الواقع قائمة يهودية صرف، خالية من العرب ويبرز في قائمتها للمجلس البلدي نشيط اجتماعي من الليكود. هذا الخليط من نشيطين يساريين ويمينيين تهيمن عليه شريحة من الطبقة الوسطى الاسرائيلية الهادفة لضمان مستوى معيشتها المرتفع بعيدا عن العرب، وهي التي أفرزت الاجندة الليبرالية الضيقة التي تميز القائمة الجديدة. استعداد الجبهة والحزب الشيوعي للمشاركة في القائمة في هذه الظروف هو خطأ سياسي فاحش يعمق الانقسام الداخلي في الحزب بين عرب ويهود ويكرس الهوة بين تل ابيب ويافا.

"احب دوف"

بروز قائمة "المدينة لنا جميعا" وترشيحها عضو الكنيست دوف حنين من الجبهة لرئاسة بلدية تل ابيب يافا، خلقا الانطباع باننا امام ظاهرة يسارية جديدة في المجتمع الاسرائيلي. ولكن في الحقيقة، تعبر القائمة عن تجمع مؤقت لعناصر ليبرالية واجتماعية متناقضة، لا يمكن تسميتها بيسارية او راديكالية. فالقائمة ترشح في مكان بارز عضو الليكود اهارون مدوئيل وتتنازل تماما عن اي تمثيل عربي. هذه التركيبة تكرس الهوة العميقة القائمة اصلا بين تل ابيب ويافا، وبين العرب واليهود، كما تعمق الانقسام القومي داخل الجبهة التي تخوض الانتخابات برأسين، واحد يهودي باسم قائمة "المدينة لنا جميعا" والثاني عربي باسم قائمة "يافا".

"المدينة لنا جميعا" هي مزيج من مجموعة من النشيطين الاسرائيليين اليساريين الذين بادروا لتشكيل القائمة، وجمهور من الطبقة الوسطى الاسرائيلية الباحثة عن قائمة تلائم توجهاتها ومصالحها الضيقة. احد الاسباب الرئيسية وراء المبادرة لاقامة القائمة الجديدة في اواخر عام 2007 كان احتجاج شريحة متزايدة من الشباب في تل ابيب على ارتفاع اسعار العقارات وايجار البيوت. وجاء هذا الوضع نتيجة انخراط تل ابيب في نظام العولمة الذي قاد في العالم المتطور الى فقاعة العقارات والارتفاع الجنوني في اسعارها. كما يعتبر موضوع البيئة والاجندة الخضراء احد المواضيع المتداولة في كافة الاوساط الثقافية الغربية، مما حوّل الامر الى موضة بين شباب تل ابيب ايضا.

وعلى ضوء الضعف التنظيمي لمبادري القائمة الجديدة وحاجتهم لاطار سياسي ذا ميزانيات وتجربة انتخابية، توجه بعضهم للجبهة لتشكل عمودا فقريا تنظيميا لهم. ولكن بدل ان تطرح الجبهة برنامجا ديمقراطيا عماليا واضحا، واقتراح التعاون اليهودي العربي كشرط لبناء القائمة، قبلت الجبهة بالاجندة الخضراء الضيقة التي تهم الشرائح الوسطى الاسرائيلية، ووضعت مصير سكان يافا العرب في آخر سلم اولويات القائمة. وينسجم هذا الموقف مع الموقف العام الذي يشمل ايضا يسار الطبقة الوسطى الاسرائيلية، والذي ابتعد عن قضية الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني واختار برنامج الانفصال الاحادي الجانب، تماشيا مع مقولة براك بعدم وجود شريك فلسطيني وموقف شارون المعادي للفلسطينيين.

الاجتماع التأسيسي لقائمة "المدينة لنا جميعا" الذي عقد في تل ابيب مطلع عام 2008 كان واضحا في تحديد الاهداف والاولويات: المواصلات العامة، تلوث البيئة ومشاكل السكن في تل ابيب. قضية عرب يافا طُرحت كموضوع ثانوي، مما انعكس في تهميش التمثيل العربي في القائمة. وكانت نتيجة هذا الوضع انسحاب العرب من قائمة "المدينة لنا جميعا" وتشكيلهم قائمة مستقلة باسم "يافا". يجب ان نلفت الى ان التوجه نحو الانغلاق القومي في صفوف الجبهويين العرب ساهم في هذا الانقسام، لكن يبقى السؤال لماذا وافقت الجبهة في كلا الجانبين اليهودي والعربي على تكريس هذا الانقسام المدمر.

وتأكيدا على سلم الاولويات الجديد، وتحججا برغبتها التوجه لجمهور اوسع واكبر من الجمهور العربي اليافي، اتخذت قائمة "المدينة لنا جميعا" خطوة اضافية باتجاه الانتهازية. فقد وضعت اهارون مدوئيل من كفار شاليم (قرية سلمة سابقا)، مرشحا ثالثا في القائمة للمجلس البلدي، علما انه عضو رسمي في حزب الليكود وليس هذا فحسب، بل يفاخر بانتمائه السياسي في موقع القائمة على الانترنت.

تصريح دوف حنين انه سيتنازل عن العضوية في البلدية في حال لم ينتخَب للرئاسة، يعني ان انصار القائمة سيُدخلون للمجلس البلدي عضو ليكود ليمثلهم. ويبرر هؤلاء ترشيح مدوئيل بكونه "نشيطا اجتماعيا"، غير انهم يتجاهلون ان هذه المواصفات تميز بها ايضا دافيد ليفي ومئير شتريت من قادة الليكود، وكذلك نشيطو حزب شاس اليميني المتزمت. كما يتجاهل انصار القائمة ان اليسار في اسرائيل يتحدد اولا وقبل كل شيء حسب الموقف من العرب والفلسطينيين. ان مجرد تعريف مدوئيل نفسه كعضو ليكود انما يأتي للتأكيد على ان انتماءه السياسي للحزب اليميني المعادي للعرب خاضع لنشاطه الاجتماعي ويفوقه اهمية. ولا يجب التفكير كثيرا مع اي معسكر سيقف مدوئيل في الحرب القادمة. هكذا تكون الجبهة التي بررت دائما تحالفها مع حزب العمل بانه اهون الشرين في مواجهة الليكود، قد وضعت نشيط ليكود في موقع متقدم في قائمتها.

موافقة عضو الكنسيت حنين على ترشيح نفسه لرئاسة البلدية باسم القائمة، جاء بعد فشل القائمة في اقناع يوسي سريد رئيس ميرتس سابقا في ترشيح نفسه للمنصب. سريد معروف بادارته ظهره للفلسطينيين وبمقولته الشهيرة لهم "ليبحثوا عني"، والتي قيلت احتجاجا على دعمهم صدام حسين في حرب الخليج الاولى عام 1991. اليوم يعلن سريد عن دعمه لترشيح حنين لرئاسة البلدية وليس هذا فحسب، بل يدافع عنه ازاء هجوم النائبة شيلي يحيموفتش ويقول انه يعتبر حنين "صهيونيا حقيقيا". هذا الدعم لحنين لم يأت صدفة، بل جاء بعد ان تنازل النائب الجبهوي عن اولوياته الداعمة للعرب وخاصة من اهالي يافا وتبنيه اجندة خضراء تهمش العرب تماما.

سبب آخر دفع حنين لقبول المنصب نابع من عدم استعداد المبادرين الآخرين للقائمة لخوض المعترك السياسي بانفسهم، وتجنبهم ترشيح انفسهم للقائمة. ويشير هذا الى استعدادهم للتعبير عن احتجاجهم، ولكن ليس للتضحية بوقتهم من اجل بناء بديل جذري للسياسة القائمة. هكذا وجد حنين نفسه رئيسا لقائمة يهودية خضراء، خالية من العرب ومع امكانية جيدة لادخال نشيط من الليكود للمجلس البلدي.

الانقسام في الجبهة

في محاولة يائسة من نشيطي الجبهة العرب كتب مندوبهم في يافا عمر سكسك والذي يشغل منصب رئيس "الرابطة لشؤون عرب يافا"، مقالة بالعبرية موجهة لاعضاء الجبهة في تل ابيب داعيا اياهم لتغيير المسار. في المقال الذي نُشر على موقع "هجادا هسماليت" (4/5/08) دعا سكسك الى تحالف بين سكان يافا والديمقراطيين اليهود في تل ابيب في اطار واحد يطرح المسائل الاساسية، وخاصة قضية عرب يافا ومحاولة تهجيرهم، والنضال الاجتماعي للعمال والفقراء ومسألة ارتفاع اسعار البيوت في تل ابيب. غير ان دعوته لم تلق آذانا صاغية.

على هذه الخلفية لجأت الجبهة في يافا للتحالف مع عناصر حزب التجمع، وشكلت قائمة "يافا" العربية، التي اصطف في داخلها كافة الجبهويين اليافيين، وضمنهم العناصر التي بادرت في البداية لتشكيل قائمة "المدينة لنا جميعا". دوف حنين ومجموعة الجبهويين اليهود بقوا في القائمة اليهودية، مما خلق انقساما قوميا داخل صفوف الجبهة على المستوى المحلي.

في اللحظة الاخيرة نشر بعض النشيطين اليساريين العرب واليهود عريضة مطلع ايلول، دعت الى توحيد القائمتين الجبهويتين. ولكن العريضة كانت اضعف من ان تمنع الانقسام القومي العميق والخطير داخل الحزب بين يهود وعرب، والذي بلغ احدى اخطر ذرواته في مؤتمر الحزب الشيوعي الخامس والعشرين في حزيران عام 2007 الماضي، وفيه انقلب التيار القومي برئاسة النائب محمد بركة الذي تمسك بالاجندة القومية، على التيار الشيوعي التقليدي للحزب برئاسة تمار غوجانسكي وعصام مخول والذي تمسك بالاجندة الاجتماعية.

اشارة واضحة الى البلبلة العميقة في صفوف الحزب نجدها في الفرق الشاسع بين ما يقدمه موقع الحزب الشيوعي باللغة العبرية حيث يتم الترويج فقط للقائمة اليهودية "المدينة لنا جميعا" ومرشحها للرئاسة دوف حنين، وبين الموقع العربي للجبهة وصحيفة "الاتحاد" التي تروج لقائمة "يافا" وتبرز تصريحات محمد بركة في حلقة بيتية في يافا، حيث اعلن تأييده لقائمة "يافا"، متجاهلا تماما اي ذكر لزميله في قائمة الكنيست دوف حنين.

تتويجا لهذه الفوضى اعلن سكرتير الجبهة ايمن عودة في موقع "العرب" في 26/9، (وليس في موقع الجبهة او "الاتحاد") ان الجبهة تدعم قائمة "يافا"، وان قائمة "المدينة لنا جميعا" لا تمثل الجبهة، وانه "لا يمكن للجبهة أن تخوض الانتخابات برأسين"، ودعا الجمهور الاسرائيلي في تل ابيب للتصويت لقائمة "يافا" للعضوية ولدوف حنين لرئاسة البلدية كونه مندوب الجبهة.

هذا الموقف شديد الانتهازية، يتجاهل عمليا ان الشعبية التي حظي بها حنين انما هي نابعة من تركيبة قائمة "المدينة لنا جميعا" الملائمة للاجواء في تل ابيب. عودة يريد ان يقطف ثمار الشعبية دون ان يدفع الثمن السياسي للقائمة اليهودية التي يرأسها زميله حنين. وفي حين يتبرّأ حزب حنين من قائمة "المدينة لنا جميعا"، اختار حنين موقفا لا يقل انتهازية ولم يخرج بموقف واضح مضاد للموقف الرسمي لحزبه، مما يثير علامات استفهام حول مدى موالاة حنين لحزبه الام او لقائمته في تل ابيب.

ازمة قيادة

يعبر تشكيل قائمة "المدينة لنا جميعا" عن ازمة القيادة السياسية في اسرائيل، وفقدان ثقة الشرائح الوسطى بالاحزاب التقليدية واحساسها العام بعدم وجود بيت سياسي ملائم لها. هذه الشرائح منحت في انتخابات 1992 حزب ميرتس 12 مقعدا (مقابل 5 اليوم)؛ وفي انتخابات 2003 منحت نفس الشريحة حزب "شينوي" بقيادة اليميني تومي لابيد 15 مقعدا (الحزب اختفى تماما في انتخابات 2006)، وفي الانتخابات الاخيرة منحت حزب المتقاعدين الجديد على طبق من ذهب سبعة مقاعد في الكنيست، الامر الذي اعتبره المراقبون احتجاجا وتصويتا غير سياسي لحزب لا يقدم بديلا او اجندة واضحين عدا عن كون رئيسه رافي ايتان رئيسا سابقا لجهاز الموساد (يشار الى ان حزب المتقاعدين انقسم الى حزبين بعد عامين من الانتخابات).

بدل استثمار الجهود في محاولة قيادة هذا الجمهور الذي يبحث عن بيت سياسي، وتوضيح الخطوط الحمراء وعلى رأسها الموقف من التعاون بين اليهود والعرب وضد الاحتلال، اختارت الجبهة ان تميّع برنامجها والانجرار وراء البرنامج الليبرالي الضيق للطبقة الوسطى الاسرائيلية في محاولة لكسب اصواتها. القائمة الجديدة هي فقاعة جديدة لا مقومات لها للصمود اكثر من فقاعة المتقاعدين او شينوي. الخطورة في هذه الفقاعة غير المبدئية انها تكرس الهوة العميقة بين اليهود والعرب في تل ابيب خاصة والبلاد بشكل عام، كما من شأنها ان تكلف الحزب الشيوعي ثمنا سياسيا غاليا جدا، اذ عمقت الانقسام داخله، جعلته يرشح قائمتين مختلفتين على اساس قومي، وساهمت بذلك في تفكيك الجبهة خصوصا واليسار عموما.

اضف تعليقًا

ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.

الاسم

البريد الالكتروني

العنوان

موضوع التعقيب

تعليقك على الموضوع

Home نسخة للطباعة