تاريخ النشر ١٢/٠٩/٢٠٠٨

شؤون محلية

قانون منع الزيارات ضد اعضاء الكنيست العرب

الزيارات للدول العربية تخدم من؟

سامية ناصر

لا خلاف على ان القوانين التي يسنها الكنيست الاسرائيلي في المدة الاخيرة ضد النواب العرب، هي عنصرية بطبيعتها. القانون الجديد يسمح لاسرائيل بمحاكمتك اذا زرت اليمن، ولكن الجريمة الحقيقية التي يجب ان يحاكم عليها الشعب نوابه العرب، هي زياراته للانظمة الرجعية مثل الاردن ومصر والسلطة الفلسطينية، والتي لا تعتبر معادية لاسرائيل، ولكن انظمتها معادية لشعوبها وللطبقة العاملة بشكل عام.

لا خلاف على ان القوانين التي يسنها الكنيست الاسرائيلي في المدة الاخيرة ضد النواب العرب، هي عنصرية بطبيعتها. التعديل الاخير في القانون الذي يحظر على اعضاء الكنيست زيارة دول عدو لاسرائيل في اشارة الى لبنان، سورية، العراق، السعودية واليمن، ينص على منع كل من يزور دول معادية ان يرشح نفسه للكنيست لسبع سنوات. واضح ان هذا التعديل عنصري وموجّه بشكل سافر ضد النواب العرب.

في سياق مقال حول متطلبات العضوية في الكنسيت من الاعضاء العرب بعنوان "انتُخبت، سافرت، ستتعرض للتحقيق"، كتب مراسل "هآرتس" شاحر ايلان بشكل تهكمي: "انه اذا كنت عضو كنيست عربي فان السفر الى دولة تعتبر حسب التعريفات الاسرائيلية معادية لاسرائيل، يصبح من المهمات المنوطة بك، وجزءا من متطلبات العضوية في البرلمان". (10/12/2007)

بداية الحكاية كانت الهجوم الشرس الذي يشنه نواب اليمين المتطرف والمعتدل ضد النواب العرب بعد عودتهم من كل زيارة لدول تعتبرها اسرائيل معادية. وعادة ما يرد النواب العرب بهجوم مضاد، ويتهمون نواب اليمين بانهم يريدون برلمانا خاليا من العرب. بعد كل مسلسل ردح كهذا تنشر العناوين في وسائل الاعلام في اليوم التالي، ويعلن عن مشاريع قوانين من اليمين واضح انها موجّهة ضد النواب العرب.

في رده على إقرار القانون الذي يحظر السفر للدول المعادية، قال النائب احمد الطيبي انه سيزور اية دولة عندما يُدعى لذلك، اما رئيس كتلة الجبهة محمد بركة فقال: "اذا كنا في وضع يلزمنا بالاختيار بين الاخلاص لشعبنا او ان نكون في الكنيست، فمبروك عليكم الكنيست، لا نريده".

الخلفية

في عام 2002، في اعقاب الزيارات التي قام بها النائب السابق ورئيس حزب التجمع عزمي بشارة الى سورية، تم سنّ القانون الذي يمنع الاسرائيليين من زيارة دول معادية الا باذن خاص من وزير الداخلية. وجرى تعديل القانون بحيث لا تشفع فيه حتى الحصانة البرلمانية لاعضاء الكنيست العرب. وتم في 30 تموز ادخال تعديل جديد على القانون، حسب اقتراح من النائبين اليمينيين استرينا ترطمان وزفولون اورليف، يمنع كل من زار دولة معادية من ترشيح نفسه للكنيست لمدة سبع سنوات. ويصنف القانون تلقائيا اي شخص زار احدى هذه الدول على انه يدعم الكفاح المسلح ضد اسرائيل.

تشير المعلومات إلى أن مشروع القانون قد تم تقديمه إلى الكنيست منذ فترة طويلة، ويطلق عليه البعض اسم "قانون عزمي بشارة". وكان بشارة قد اختار الإقامة خارج اسرائيل بعد ان وجّهت له الحكومة الاسرائيلية اتهامات امنية، على خلفية قيامه بسلسلة زيارات إلى سورية ولبنان واجراء اتصالات مع حزب الله اثناء حرب لبنان الثانية، عرّضته لاحتمال تقديم لائحة اتهام ضده.

في رده على القانون قال الطيبي ان وابل القوانين المناهضة للعرب التي يشرعها الكنيست بشكل منهجي، مثير للسخرية. وكان الطيبي قد تعرض للتحقيق قبل عامين بعد سفره الى لبنان لتقديم العزاء لعائلة رئيس الوزراء اللبناني المغتال رفيق الحريري، ثم بعد سفره لليمن للقاء رئيس البلاد علي عبد الله صالح، والقاء محاضرة في الجامعة هناك.

النائب محمد بركة زار ابو ظبي وتعرض لهجوم حاد من اليمين بعد تسريب لقائه مع رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل. كان ذلك اثناء زيارة الى الامارات المتحدة في 17 حزيران الماضي، لحضور مؤتمر بمناسبة ذكرى ستين عاما على النكبة الفلسطينية، حيث نزل بركة في نفس الفندق الذي نزل فيه مشعل. وقال بركة لصحيفة "جيروزاليم بوست": "ان تحقيق الوحدة والوفاق والتفاهم بين الفلسطينيين هو من القضايا التي تهمني وتشغل بالي دائما، واننا راغبون في بذل قصارى جهدنا للوصول لهذا الهدف النبيل".

واضح ان هذه القوانين مرفوضة جملة وتفصيلا، خاصة بسبب طبيعتها العنصرية. ولكن يبقى هناك سؤال لم يتطرق اليه النواب العرب، وهو ما الهدف الحقيقي من هذه الزيارات سوى جذب العناوين في الاعلام؟ وسؤال آخر، بماذا بالضبط تخدم هذه الزيارات مصالح الجماهير العربية في اسرائيل؟

زيارات في خدمة الانظمة

بعد اتفاق اوسلو اختارت الاحزاب العربية دعم السلطة الفلسطينية والحل الامريكي في المنطقة، كما اختارت تكريس جانب مهم من وقتها للقيام بزيارات للانظمة الرجعية القمعية والدكتاتورية العربية. لم يزر عزمي بشارة السجناء التقدميين السياسيين في سورية، بل ربط نفسه بعلاقة عشق غريبة عجيبة مع نظام بشار الاسد الذي ورث العرش عن والده، مع انه لا يختلف عن بقية الانظمة العربية التي تضحي بوطنها وشعبها، حفاظا على السلطة التي تكفل لعائلته وللمقربين من النظام القوة والامتيازات.

القانون الجديد يسمح لاسرائيل بمحاكمتك اذا زرت اليمن، ولكن الجريمة الحقيقية التي يجب ان يحاكم عليها الشعب نوابه العرب، هي زياراته للانظمة الرجعية مثل الاردن ومصر والسلطة الفلسطينية، والتي لا تعتبر معادية لاسرائيل، ولكن انظمتها معادية لشعوبها وللطبقة العاملة بشكل عام. هذه الزيارات لا تأتي بهدف التضامن مع الشعب الاردني او حتى الفلسطيني، او مثلا زيارة العمال المصريين في المحلة الكبرى التي تنتفض دفاعا عن الحريات النقابية والسياسية، بل تأتي لتقوي الانظمة التي تنفذ الاملاءات الامريكية والاسرائيلية على حساب شعوبها.

في الطيبة مثلا احتفل الطيبي واعضاء حزبه، الحركة العربية للتغيير، بتوزيع المنح الدراسية على الطلاب العرب الذين حظوا بمكرمة ملكية ومنحة دراسية لمتابعة دراستهم العليا في الجامعات الاردنية. وقد حضر الحفل سفير الاردن ووزير الاعلام الاردني السابق، وركز الحفل على تبجيل جلالة الملك الاردني المعظم، عبد الله الثاني.

وكان الطيبي قد حصل من النظام القطري على ستة ملايين دولار لاقامة ملعب رياضي في بلدة سخنين، أطلق عليه اسم استاد الدوحة، وحصد الطيبي بذلك شعبية من انصار الفريق. بالمقابل، مدح الطيبي امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، على كرمه، وتناسى انه في ارض قطر وبموافقة اميرها، تتواجد اكبر قاعدة عسكرية امريكية، ومنها انطلق العدوان الامريكي على العراق.

المشترك اليوم بين الشعوب الفلسطينية، الاردنية، المصرية، اليمنية والجماهير العربية في اسرائيل انهم يواجهون نفس العدو، وهو الفقر، البطالة، تدني مستوى المعشية، انتشار الامراض الاجتماعية بين الشباب والتفكك الاجتماعي. وقد اكدت منظمة العمل العربي في أحدث تقاريرها أن نسبة البطالة في العالم العربي هي الاسوأ بين دول العالم، خاصة وقد تخطت حاجز ال‏14%‏ اي ما يعادل ‏17‏ مليون عاطل عن العمل، ربعهم من الشباب، وتصل النسبة في بعض الدول إلي‏66%‏ بين الشباب. كما يعتبر التعليم احد التحديات المهمة التي تواجه الشباب العربي.،‏ فقد ارتفع عدد الاميين في الدول العربية من حوالي ‏49‏ مليونا عام ‏1970‏ إلي ‏68‏ مليونا مع بداية الالفية الثالثة، بالاضافة الى وصول عدد الاطفال المتسربين من المدارس الى ‏13‏ مليونا‏.‏

العمال في مصر حددوا المسؤول عن هذا الوضع في بلادهم وهو النظام المصري الفاسد الذي يمتص دم الشعب وباع البلد للشركات العالمية، لتحقيق ارباح خيالية لصالح شريحة ضيقة من اصحاب رؤوس الاموال المصريين على حساب الاغلبية الساحقة من الشعب. ولكن النواب العرب يعتبرون هذا النظام وغيره من الانظمة العربية الفاسدة حليفة لهم.

النائب بركة يصرح انه لا يريد الكنيست، ولكن في الحقيقة تأتي زياراته لتعزز بقاءه في الكنيست. من خلال الهروب من مواجهة المشاكل الحقيقية للجماهير العربية، يسافر للدول العربية بادعاء بذل الجهود لتعزيز الوحدة الفلسطينية. ولا يصدق بركة نفسه انه بالامكان تحقيق هذه المهمة التي باتت مستحيلة، ولكنه يعوّل على ان تؤدي زياراته والاستفزاز المستمر للاحزاب اليمينية، الى ضمان حضوره الاعلامي وجذب الاضواء وبعض الشعبية.

المهمة الاساسية لعضو الكنيست العربي يجب ان تكون محاربة البطالة والفقر بين الجماهير العربية، ومحاربة السياسة النيوليبرالية الاقتصادية ودكتاتورية رأس المال التي يعاني منها العمال في بلادنا وفي العالم العربي، وتقوية الطبقة العاملة المحلية وتعزيز اواصر التضامن بينها وبين الطبقة العاملة في العالم العربي والعالم عموما. ولكن التجربة تدل بان اعضاء الكنيست العرب بعيدون كل البعد عن اهتمامات الطبقة العاملة، فتراهم يحتكون بالامراء والملوك ورؤساء يرثون الحكم عن آبائهم، وهؤلاء كل همهم ادامة وضع التخلف الذي يعاني منه العالم العربي.

صحيح ان القوانين الاسرائيلية بحق النواب العرب تأتي من دوافع عنصرية، ولكن هذا لا يعني باي حال ان النواب العرب يستحقون ثقة الجماهير العربية، اذ ان زياراتهم تأتي بديلا للمهمة الاساسية وهي العمل على حل القضايا الحقيقية التي تواجهها هذه الجماهير.

اضف تعليقًا

ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.

الاسم

البريد الالكتروني

العنوان

موضوع التعقيب

تعليقك على الموضوع

Home نسخة للطباعة