التسرب من المدارس العربية وباء صامت
احد الاسباب لتفاقم ظاهرة التسرب من المدارس هو تعامل المدرسة والاهل السلبي تجاه الطالب الذي جاء بتحصيل علمي متدنٍّ، اذ يُنظَر اليه كانسان مُهمّش بلا قيمة. فالملاحظ هو ان جزءا من الطلاب المتسربين تركوا مقاعد الدراسة لان المدرسة من مدراء ومعلمين لم يدعموا الطالب دراسيا ومعنويا. وكذلك الاهل والمجتمع.
المعطيات الرسمية التي نشرتها وزارة التربية والتعليم في اسرائيل حول ظاهرة التسرب من المدارس الثانوية، تشير الى نسبة تسرب عالية بين العرب. وقد سُجّلت أعلى نسبة تسرب في القرية غير المعترف بها مسعودين العز في النقب، حيث وصلت الى 13% من مجموع الطلاب. وفي المرتبة الثانية قرية عيلبون في الجليل حيث بلغت نسبة التسرب 11.5%، وفي المكان الثالث قرية مجد الكروم مع نسبة تسرب بلغت 10.8%. اما التسرب من الصف السابع وحتى الصف الثاني عشر في الوسط العربي، فوصل الى 35%! ان المعطيات دلت على فارق كبير في نسب التسرب بين شرائح المجتمع الغنية حيث انخفضت النسبة، وبين الشرائح الفقيرة التي حققت نسبة تسرب عالية. (هآرتس، 21 تموز)
في حديث مع الصبّار عقّب يوسي جيلنيان، المسؤول عن موضوع التربية في دائرة الاحصاء الحكومية، بالقول ان نسبة التسرب في الوسط العربي من الصف التاسع للصف الثاني عشر وصلت الى 7.2% او ما يعادل 7,127 طالبا، فيما بلغت نسبة التسرب في الوسط اليهودي 3.7% تعادل 12,958 طالبا.
وفقا لتعريف وزارة التربية والتعليم فان الطالب المتسرّب من جهاز التعليم هو الطالب الذي لا يدرس في المؤسسات التعليمية التابعة للوزارة. ولا تأخذ الاحصائيات بالحسبان انضمام بعض هؤلاء الطلاب لمدارس صناعية تابعة لوزارة الصناعة التجارة والتشغيل، او مدارس تابعة لوزارة الرفاه، (ولا حتى المعاهد الدينية اليهودية التي يلجأ اليها الطلاب المتدينون وهم في الصف الحادي عشر). هذه الحقيقة تجعل مسؤولين في الوسط العربي يتحفظون عن مدى دقة الاحصائيات في اشارة الى انها اقل حدة مما نُشر.
سمير ابو زيد، رئيس مجلس عيلبون، علق على النتائج التي وضعت بلدته في المكان الثاني من ناحية نسبة التسرب، بالقول للصبّار: "حسب المعطيات، يعتبر 11.5% من طلاب قرية عيلبون في عداد المتسربين، وذلك كونهم خارج اي اطار تعليمي تابع لوزارة التربية والتعليم. ولكن عدد كبير من المتسربين المذكورين يدرسون في اطر تعليمية تابعة لوزارتي التشغيل والرفاه الاجتماعي. من اصل 336 طالبا في المرحلة الثانوية، هناك 23 طالبا في المدرسة التكنولوجية في سخنين، ثلاث طالبات في مدرسة نعمات- حيفا، ثلاثة طلاب في المدرسة التكنولوجية المشهد، طالبان معاقان في مؤسسة تابعة لمدارس وزارة الرفاه، وفقط سبعة طلاب خارج اي اطار تعليمي، مما يخفض النسبة الفعلية من المتسربين الى اقل من 2%".
ضعف جهاز التعليم العربي
ولكن رغم جزئية الاحصائيات وعدم دقتها، الا انها تشير الى ضعف جهاز التعليم في الوسط العربي عموما، لان المستوى التعليمي في مدارس وزارة التشغيل عادة ما يكون متدنيا جدا، وهناك من يعتبر طلاب هذه المدارس "حاضرين غائبين" او "متسربين مخفيين".
علاوة على ذلك، هناك مشاكل تسرب حقيقية. جيلنيان من مركز الاحصاء الحكومي قال للصبّار انه قام بجولة في تجمعات بدوية في النقب قبل عدة سنوات، وهناك اتضح له ان اغلب الفتيات يتركن المدرسة بعد تسع سنوات تعليم فقط.
العوامل الخارجية التي تقود الى هذا الوضع معروفة، ومنها التمييز الحكومي واهمال السلطات لحاجات الوسط العربي وتطويره. فوزارة التربية والتعليم لا تخصص الميزانيات والموارد الكافية لزيادة الصفوف الدراسية، وتقليل عدد الطلاب في الصف الواحد والذي قد يصل الى 40 طالبا. ناهيك عن ان توظيف المعلمين ومدراء المدارس في جهاز التربية العربي يتم، بالدرجة الاولى، وفقا لاعتبارات سياسية وعائلية.
في تعقيب على هذا الوضع قال للصبّار مدير التعليم العربي في وزارة التربية والتعليم، عبد الله خطيب: "وزارة التربية والتعليم لم تُفاجأ بهذه المعطيات، ويدرسها مسؤولو الوزارة بحثًا عن حل يفضي الى تقليص ظاهرة التسرب". واضاف خطيب ان أسباب التسرب الاكبر حجمًا في الوسط العربي تعود الى عدم توفر أطر تعليمية ملائمة لتلبية احتياجات الطلاب الذين يواجهون أوضاعا اقتصادية واجتماعية متردية.
ردا على نشر هذه الاحصائيات بخصوص المتسربين، قال للصبّار ابراهيم بشناق، رئيس لجنة اولياء امور الطلاب الثانويين في كفر مندا التي احتلت المرتبة الثامنة في قائمة التسرب: "بغض النظر عن النسب والارقام التي كشفتها وزارة المعارف، ظاهرة التسرب كانت وما زالت ظاهرة خطيرة تهدد مستقبل ابنائنا. طلابنا ينخرطون في المدارس العربية دون فحص قدراتهم ذهنيا وجسمانيا ودون ملاءمتهم للاطار المناسب لهم منذ سن الطفولة. النتيجة هي التسرب من المدرسة بعد عدة سنوات لعدم وجود اطار مهني وتربوي يساندهم، خاصة اولئك الذين يعانون من عسر تعليمي".
الاستهتار بالضعفاء
في مقابلة مع الصبّار تطرق مدير قسم التربية والتعليم في مجلس مجد الكروم، رشدي خلايلة، الى اسباب تفاقم ظاهرة التسرب الخارجية، مثل الفقر المتفشي في المجتمع العربي والذي يعتبر بذاته نتيجة لسياسة التمييز العنصري.
ولم يكتف خلايلة باتهام السلطات بل تطرق ايضا الى الاسباب الداخلية. فذكر مثلا فقدان علاقة الاهل مع الطالب المُتسرب، عدم التعاون بين الاهل والمدرسة لاعادة المتسرب الى مقاعد الدراسة. مشكلة اضافية هي انتشار ظاهرة الزواج والخطوبة المبكرة التي تحولت الى سبب رئيسي لتسرب الفتيات من المدرسة. ويبدو ان الاهل يتعاونون مع الظاهرة بهدف التخلص من العبء الاقتصادي في تربية البنت، او انهم يشجعون اولادهم للخروج الى سوق العمل للمساعدة في نفقات البيت في ظل البطالة والفقر الشديد".
ماجد مراد، الرئيس السابق للجنة اولياء امور الطلاب في كفر مندا، وضع النقاط على الحروف بقوله للصبّار: "ان احد اسباب تفاقم ظاهرة التسرب هو تعامل الاهل والمدرسة السلبي تجاه الطالب صاحب التحصيل العلمي المتدني. دائما يُنظَر اليه كانسان مُهمّش لا قيمة له. جزء كبير من الطلاب المتسربين تركوا مقاعد الدراسة لان المدرسة من مدراء ومعلمين لم يدعموهم دراسيا ومعنويا، كما لم يجدوا اي دعم من الاهل والمجتمع".
بهذا الصدد اضاف خلايلة: "ان نسبة التسرب تتحدث فقط عن ظاهرة من ترك مقاعد الدراسة، ولكن ماذا لو شملنا في الارقام ايضا احصائيات التسرب المخفي، والذي يشمل الطلاب الذين يداومون في المدرسة ويجلسون على مقاعد الدراسة جسديا ولكنهم متسربون نفسيا؟ الظاهرة لا تتعلق بالمرحلة الثانوية فقط، وانما تبدأ من سن الطفولة المبكرة، ولا تقوم المدرسة ولا الاهل بتشخيصها، وتزداد تعقيدا مع انتقال الطالب من مرحلة دراسية لاخرى، وهكذا تستمر معه حتى يعزف جسديا عن مقاعد الدراسة".
المقلق ان نرى ظاهرتين للتسرب حسب اقوال احدى المعلمات التي فضلت عدم ذكر اسمها: "الاولى تتم بارادة الطالب الذي سئم المدرسة وبات يشعر انها تشكل عبئا ثقيلا عليه ومكانا يهمشه كونه ضعيفا من ناحية تحصيله، وظاهرة تسرب تفرضها المدرسة نفسها على الطلاب، من خلال استبعادهم عن الامتحانات الثانوية "البجروت" خشية ان تؤدي نتائجهم المتدنية او فشلهم في الامتحانات الى هبوط نسبة الحاصلين على الشهادات الثانوية في المدرسة، وهذا ينعكس بشكل سلبي على نفسية الطلاب".
وماذا عن الطلاب الذين يتعلمون في المدارس المهنية والتكنولوجية كشبكة مدارس "عمال"، "اورط" و"نعمات" التابعة لوزارة التشغيل؟
قال موجّه تربوي في احدى المدارس المهنية للصبّار: "ان المدارس المهنية او التكنولوجية التابعة لوزارة التشغيل تعتبر اكثر الاطر التي تهمش الطالب صاحب التحصيل المتدني. وعلى الرغم من ان هذه المدارس لا تنقصها الميزانيات للاستثمار في تأهيل الطالب لمهنة يرتزق منها مستقبلا، الا انها تبدي عدم جدية في الرقابة وضبط الدوام، ولا تتبع اسلوبا تربويا حديثا يمكّنها من جذب الطلاب للاطار واكسابهم مهنة وتحويلهم لعنصر فعال في المجتمع، لا عاطل عن العمل يعيش على مخصصات التأمين والبطالة او عنصر من العناصر الجنائية وتجار المخدرات".
اضف تعليقًا
ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.
السابق
"التسرب"
جيهان
رام الله
نشر بتاريخ ٠٧.١٠.٢٠٠٨, ٢٢:٠٣
كم شاع بأننا شعب متعلم ,متفاخرين بشهاداتنا ومؤهلاتنا العلمية .مع أنه فقط اشاعة.يثبتهارؤيتنا لاطفال الشوارع باحثين لقمة عيش وكأنهم مسؤولون عن أسر.
يتهافتوب قمع سيجارة في الشارع ,
هؤلاء هم فلذات أكبادنا الوهميين ,وشباب المستقبل الواعد
نعم فهذه ثقافتنا ومؤهلاتنا