كلمات للبحث
السياسة الاقتصادية الاسرائيلية: إقصاء النساء العربيات
الدكتورة اورلي بنيامين، استاذة علم الاجتماع ونسوية طبقية من جامعة بار ايلان، القت كلمة امام عاملات الزراعة اللواتي التأمن في المؤتمر النسائي الذي نظمته جمعية معا ومنتدى معا النسائي في 14 حزيران الماضي حول موضوع "في مواجهة الفقر – نساء عربيات يطالبن بالعمل"، وفيما يلي نورد النص الكامل للمحاضرة:
منذ بداية الثمانينات تنشط في اسرائيل قوى اقتصادية وسياسية اخذت على عاتقها توطيد العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية. المجهود لاقناع الادارة الامريكية بان الحكومة الاسرائيلية تتبنى تعليماتها في المجال الاقتصادي، بل وتستنبط فكرا اقتصاديا محليا بروح هذه التعليمات، له تأثير بعيد المدى على حياة النساء في اسرائيل بشكل عام، والنساء في بلدات الهوامش والنساء العربيات بشكل خاص.
بحثت دولة اسرائيل دائما عن السبل لتقليص مسؤوليتها عن مستوى معيشة المجتمع العربي. غير ان المعنى العام لتبني الاقتصاد الامريكي المسمى الاقتصاد النيوليبرالي، هو ان الدولة تتخلى عن مسؤوليتها عن عموم المواطنين وتكتفي بتحمل المسؤولية عن فئة محدودة من العائلات. هذه العملية تسمى عملية إقصاء او استثناء، وهي تميز بين المواطنين الذين لا يزالون يستفيدون من الامتيازات المختلفة للدولة، وبين المواطنين المستثَنين excluded citizens، الذين تتجاهل الدولة حقوقهم وبالذات الاجتماعية منها، مثل الحق بالغذاء، الصحة، التعليم والسكن.
اتفاقات وقوانين
في عام 1983 وقعت اسرائيل على اتفاقات دولية تسمى اتفاقات التجارة الحرة او اتفاقات GATT. وقد نجمت عن هذه الخطوة عدة تحولات لها صلة بموضوعنا: اولها، تراجع في محاولات الدولة لخلق اماكن عمل او في التخطيط لذلك؛ ثانيا، تقلصت بدرجة كبيرة الوظائف في القطاع العام، وبدأت الدولة تنتقل للتشغيل الطويل الامد بواسطة شركات القوى البشرية، بهدف التنصل من دفع حقوق التقاعد للعاملات؛
ثالثا، تبنت الدولة طريقة عمل "الرئيس" كوسيلة للتوفير في النفقات، بدءا بمجال النظافة؛ رابعا، بدأ استيراد قوة العمل الاجنبية الرخيصة؛ خامسا، تشكلت بطالة بنيوية ثابتة، وهو وضع فيه العمال والعاملات لا ينجحون بانفسهم في العثور على مصدر دخل بسبب عدم ملاءمة مستواهم المهني للمستوى المهني المطلوب في الاعمال المقترحة.
في عام 1985 سُنّ في اسرائيل قانون التسويات، وقد استخدمته الحكومة على مدار سنوات بهدف تقليص نفقاتها، وخاصة مخصصات التأمين الوطني، مثل مخصصات المُعيلات الوحيدات ومخصصات الاطفال.
في عام 1992 سُنّ قانون المناقصات، وسرعان ما أُلحقت به تعليمات المحاسب العام التي حددت بان على الوزارات والسلطات المحلية شراء خدمات الشركات في مجال النظافة مثلا، بارخص الاسعار. وكانت النتيجة تضرر الكثير من عاملات النظافة اللواتي تم تشغيلهن بطريقة غير قانونية ودون كامل الحقوق. ولكن الاخطر كان ان طريقة التشغيل المسيئة لحقوق العمال هذه تغلغلت الى كل مجالات الخدمات في سوق العمل، ليس فقط في مجال النظافة بالقطاع العام، بل ايضا بين البائعات في السوبرماركت.
المهم في التحولات التي ذكرتها هو زيادة ضعف العاملات قياسا بزيادة قوة ارباب العمل. بسبب البطالة البنيوية وشح فرص العمل الملائمة، يلاقي الكثير من العاملات صعوبة في ايجاد مكان عمل. ويخلق هذا الوضع حالة من الخوف لدى العاملات اللواتي يجدن عملا، من الشكوى للمشغّل من ظروف عملهن خشية فقدانه. بذلك تصبح العاملة معزولة، دون عنوان تتوجه اليه اذا تضررت. وفي بعض الاحيان يعتقد بعضهن ان ظروف تشغيلهن هي اصلا قانونية.
هذا الخوف نابع من وضعية العمل غير المضمون. واذا اخذنا بالاعتبار التوجه الحكومي نحو تقليص مخصصات التأمين الوطني الذي يمكن ان يشكل مصدر دخل مؤقت بديل او مكمّل للمعاش الضئيل، يمكننا ان ندرك علاقة الاتكال التي تطورها العاملات بالمشغّل. العاملات المضطرات لاعالة اولادهن يشعرن بان عليهن فعل اي شيء للحفاظ على مكان العمل. بهذه الطريقة يستخدم المشغّلون الضوء الاخضر الذي يحصلون عليه بشكل غير رسمي من الدولة، لاستغلال العاملات.
النصال المنظم ضد المشغلين
بسبب حالة الخوف هذه، يصبح من المهم محاولة النضال ضد المشغّلين ليس بشكل مباشر بل بشكل سياسي، ومن خلال المنظمات ذات التجربة في هذا المجال. مثلا، يجب النضال كي يكون حضور نسائي اكبر في لجان المناقصات. يجب المطالبة سياسيا بفرض مراقبة طويلة الامد على المناقصات وشروطها وظروف تشغيل العاملات. وبالطبع يجب المطالبة بتطبيق التشريعات المتعلقة بقوانين العمل.
كل التحولات التي احصيتها آنفا تضر بالنساء في اسرائيل، وتعرّض حقوقهن للانتهاك والاستغلال. ولكن بالنسبة للنساء العربيات فان النتائج تعتبر اخطر وتخلق فقرا وبطالة اكبر. تصل نسبة النساء العاملات من مجمل النساء العربيات 16% فقط. في عام 1995 عملت 17.44% من النساء العربيات، ولكن فقط 14.65% كانت نسبة العاملات من بين النساء العربيات المتزوجات، في حين بلغت نسبة النساء العاملات من بين المطلقات نسبة 28.01%. النسبة منخفضة جدا بين النساء الارامل – فقط 8.53% منهن يعملن، وبين العزباوات ترتفع نسبة العاملات قليلا الى 23.30% . المهم ان نسبة البطالة الرسمية بين النساء العربيات هي 17% بينما تصل النسبة ذاتها بين النساء اليهوديات الى 8.5%، حسب احصائيات عام 2006.
هناك اسباب عديدة للبطالة بين النساء العربيات، ومن ذلك شح فرص العمل وخاصة في القطاع العام، وانعدام الحلول المناسبة لرعاية الاطفال في ساعات العمل. احد الاسباب الاساسية التي تعيق خروج المرأة للعمل هي الرقابة الاجتماعية المفروضة على المرأة العربية ومدى محافظتها على العادات والتقاليد المتعلقة بما يسمى "شرف العائلة".
الكثير من النساء العربيات، وخاصة المتزوجات، يخشين الخروج للعمل خاصة خارج مواقع سكناهن. المجتمع القروي لا يصم بمسميات سلبية النساء اللواتي يخرجن من القرية بهدف العمل، ومن هنا فان مجرد خروجهن للعمل يعتبر مخالفا للاعراف ومسًّا بالعائلة.
عاملات يواجهن الاقاويل
في هذا السياق اورد بعض ما قالته نساء عربيات تجرأن على تجاهل الاقاويل والمس بسمعتهن، واليوم هن فخورات بانفسهن وبالتغيير الذي مررن به وتمكّنهن من اعالة اولادهن بكرامة. الحديث عن نساء من شفاعمرو خرجن للعمل بالنظافة بعد ان قررن ان تربية اولادهن اهم من القيل والقال:
"عملت 15 عاما بمساعدة العجزة والتنظيف في البيوت. عملت في البداية ثلاث سنوات في منطقة الكرايوت بحيفا، كريات يام، كريات بياليك وكريات موتسكين، حتى اكتسبت خبرة وحظيت بالتقدير كوني امرأة تعمل بشكل مستقل للحصول على رزق اولادها الذين يدرسون في الجامعات".
...
"واجهت صعوبات كبيرة. كان الناس ينظرون الي بنظرة خاصة، ويقولون اني لا اخرج بهدف العمل بل لاغراض اخرى. هذا قيدني وجعلني حبيسة البلدة، ولكن الحاجة للمال للمساهمة في اقتصاد البيت واعالة اولادي زادتني قوة وساعدتني في التغلب على مخاوفي".
...
النساء اللواتي نجحن في التغلب على ضغوط المجتمع، خرجن من قراهن ونجحن في اعالة اولادهن، وواصلن دعمهم حتى بعد ان كبروا، اليوم يشعرن بالفخر وبالاكتفاء الذاتي بفضل تغلبهن على العقبات وتربية اولاد على مستوى تفخر به كل ام.
للخلاصة، ظروف العمل صعبة للغاية بسبب شح فرص العمل وبسبب طريقة التشغيل التي تنتهك وتستغل حقوق العاملات. من المهم عدم النضال بشكل فردي، بل بالتعاون مع نشيطات في منظمات مختلفة كي لا تكون النساء مستضعفات مقابل المشغِّلين. معا بالامكان التفكير في حلول ومعا بالامكان التغلب على الضغوط التي تمارسها الدولة وتلك التي يمارسها المجتمع لاضعاف النساء العاملات. العمل المشترك وحده كفيل بمساعدة النساء في التغلب على كل هذه الضغوطات.
اضف تعليقًا
ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.