كلمات للبحث
اتفاق الدوحة الفلسطيني
دخلت اخيرا التهدئة بين حماس واسرائيل الى حيز التنفيذ، بعد عامين مريرين من القتال الذي أودى بحياة مئات الفلسطينيين الابرياء، وسبّب معاناة انسانية غير مسبوقة في قطاع غزة زاد من وطأتها الحصار. وكانت الاوضاع قد تدهورت على نحو خاص منذ الانقلاب العسكري الذي نفذته حماس في غزة قبل سنة. ويذكر ان الانقلاب كان ذروة لازمة بدأت بعملية اختطاف حماس للجندي الاسرائيلي جلعاد شليط في صيف 2006، لحقتها عملية اختطاف الجنديين من قبل حزب الله واعلان الحرب الاسرائيلية على لبنان.
ولم يكن صدفة اعلان اتفاق التهدئة في نفس الوقت الذي تم فيه الاعلان عن اقتراب صفقة تبادل الاسرى بين حزب الله واسرائيل. فاتفاق الدوحة الذي اعاد ترتيب البيت اللبناني، تم بفضل الاتفاق بين الدول الاقليمية الاساسية - مصر والسعودية من جهة، وإيران وسورية من الجهة الاخرى. ومع هذا فلا يجب إغفال مساهمة الولايات المتحدة وحليفتها الاستراتيجية اسرائيل في التوصل للانفراج. وقد تبينت المساهمة الاسرائيلية في المفاوضات غير المباشرة بينها وبين النظام السوري بوساطة تركية، والتي تزامنت مع اعلان اتفاق الدوحة.
سارع الفلسطينيون للاعلان عن رغبتهم في اتفاق دوحة فلسطيني. وصرح رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بمبادرة للوحدة مع حماس على اساس انهاء الانقلاب العسكري واجراء انتخابات جديدة. وبهدف تسويق المبادرة، قام عباس بجولة في اكثر من عاصمة عربية كانت اهم محطاتها القاهرة، الرياض وعمان، وحث الجامعة العربية على التوسط للوصول لاتفاق داخلي فلسطيني.
رئيس حكومة حماس، اسماعيل هنية، صرح من جانبه، بانه يؤيد اتفاقا على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب". وفي هذا تكرار لما صرح به سابقا حسن نصر الله، امين عام حزب الله، في خطابه الشهير بعد اتفاق الدوحة، نفس الخطاب الذي اعترف فيه بولائه لولاية الفقيه الايرانية.
بعد ان حظي اتفاق الدوحة اللبناني بمباركة الفقيه الايراني والرئيس الامريكي، صار من الاسهل على الحكومة الاسرائيلية وحكومة حماس "المُقالة" الوصول لاتفاق التهدئة. السؤال ما المضمون السياسي لاتفاق التهدئة؟ بالنسبة لاسرائيل تعتبر التهدئة إتماما لاتفاق الدوحة الذي سمح بإشهار المفاوضات مع سورية. فما هو مطلوب من سورية مطلوب ايضا من حماس، وهو الانتقال من المعسكر "الشيعي" للمعسكر العربي الصديق لامريكا واسرائيل. وللوصول لهذه النتيجة فرض حصار على غزة، وحصار لا يقل احكاما على دمشق ايضا.
الهدف الرئيسي من الخطوة الاسرائيلية باتجاه التهدئة، هو منح المعسكر العربي "المعتدل" الفرصة للوصول مع حماس للنتيجة التي لم تتمكن اسرائيل من تحقيقها خلال عامين من التقتيل والتدمير والحصار التجويعي. كان على اسرائيل الاعتراف ولو ضمنيا بحماس كطرف اساسي في الصراع، وهو ما رفضت القيام به منذ فوز حماس بالانتخابات التشريعية ورغم كونها شريكة مع ابو مازن في حكومة الوحدة. فشل المحاولة الانقلابية التي قامت بها فتح ضد حماس من جهة، وفشل الحصار في اخضاع الحكومة الاسلامية، جعلا اسرائيل توافق على محاولة اعادة حماس، وربما سورية، لاحضان النظام العربي.
الخيارات الماثلة امام حماس ليست سهلة. فأمامها مهلة زمنية قصيرة، ستة اشهر من التهدئة فقط، كي تقوم باعادة نظر في مواقفها. سيكون عليها ان تقرر هل تواصل المقاومة ضد الرغبة المصرية-السعودية، وتصر على رفض الاعتراف باسرائيل وكل الاتفاقات السابقة، وتحبط كل محاولة للوصول الى حل بديل معها؟ هل تواصل استخدام المقاومة كوسيلة لنشر سيطرتها على الضفة الغربية ايضا وإسقاط سلطة ابو مازن نهائيا؟
يمكن الرهان على انه في سبيل حماية سلطتها ستكون حماس مستعدة لفعل كل شيء. اسرائيل من جانبها لن تقوم بهجوم دموي على غزة دون موافقة السلطة الفلسطينية، السعودية، مصر والاردن، الائتلاف الذي تحول الى عنصر اساسي في كل حساباتها- هذه هي قوانين اللعبة الجديدة.
الحياة السياسية في الشرق الاوسط معقدة للغاية، وكل طرف معرض للخسارة اكثر من الربح. فما يتبين بحدة اكثر من اي وقت مضى، هو ان مشاكل المواطن العربي الحياتية الاساسية بعيدة جدا عن جدول عمل "المقاومين" و"المساومين" على حد سواء. واذا كانت العداوة والكراهية تفرّق بين الاطراف المتصارعة، سواء بين امريكا وإيران، او بين اسرائيل وحماس، فلجميع هؤلاء وعلى رأسهم الانظمة العربية في مصر والسعودية، موقف موحد وهو عداوتهم للطبقة العاملة والديموقراطية الشعبية. النظام الرأسمالي لا يفرق بين صهيوني وقومي عربي، ديني او علماني، شيعي او سني. وبغض النظر عن قوميته او طابعه، يبقى دائما وابدا نظاما رأسماليا قمعيا قائما على استغلال العمال والفقراء لصالح ثلة من الاغنياء.
ولكن في موازاة هذه التطورات، هناك صراع جديد آخذ بالتكون بين الطبقة العاملة العربية من جهة ورأس المال من جهة اخرى. ومن شأن هذا الصراع الجديد ان يقلب كل المعادلات ويضع الصراع ضد الاحتلال في مستوى ارقى وفي سياقه الصحيح، وهو النضال العالمي ضد العولمة الرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية التي تسبّب الحروب وتديم الاحتلال والفقر. الصراع ضد الاحتلال يمر من خلال قلب الانظمة العربية الدكتاتورية الفاسدة، وليس من خلال البحث عن مكان مريح في اطارها.
اضف تعليقًا
ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.