كلمات للبحث

مصر, نقابات عربية


تاريخ النشر ١٥/٠٥/٢٠٠٨

شؤون عربية

احداث المحلة الكبرى

حدث في 6 ابريل

اسماء اغبارية-زحالقة

احداث 6 ابريل اخترقت وسائل الاعلام المصرية وصارت حديث الشارع، معلنة عن وجود الطبقة العاملة المصرية ورافعة صوتها وطارحة مطالبها امام مصر والعالم اجمع. في ذلك اليوم خطط عمال "شركة مصر للغزل والنسيج" بالمحلة الكبرى اضرابا كان المفروض ان يتضامن معه عمال النسيج في جميع انحاء مصر.

المحلة الكبرى هي مدينة صناعية ضخمة، تقع في منطقة الدلتا شمالي القاهرة، وتضم نصف مليون مواطن هم العمال وعائلاتهم. شركة مصر للغزل والنسيج هي من اكبر الشركات في المحلة، وهي تابعة للقطاع العام، لذا وجّه العمال مطالبهم للحكومة، وطالبوها بتحقيق وعودها التي اخلّت بها في اضراب ضخم سابق شارك فيه 27 الفا من عمال المصنع في ايلول (سبتمبر) 2007.

يذكر ان 6 ابريل كان ذروة في سلسلة من الهبات العمالية كسرت صمتا استمر 12 عاما، وكان آخر اكبر اضراب شهدته مصر في كفر الدوار عام 1994. وقد اشتدت من بعده قبضة النظام ورجال امنه وزجّت بالقيادات العمالية اليسارية في السجون وحرمتها من المشاركة في انتخابات اللجان العمالية في المصانع، بعد ان كانت نجحت في السيطرة عليها في انتخابات النقابات مطلع التسعينات. عادت القضية لتضطرم في كانون اول (ديسمبر) عام 2006، وكانت الشرارة تزوير نتائج انتخابات اللجان العمالية التي تمت في تشرين ثان (نوفمبر) من نفس العام، لصالح رجالات النظام وإقصاء القيادات التي رشحها العمال، واحتجاجا على تدني الاجور.

بعد رضوخ النظام للمطالب العمالية ووعوده بتحقيق بعضها، وصرفه للعمال نسبا من ارباح الشركات واعتباره ايام الاضراب ايام عمل، انتقلت عدوى الاضراب الى مصانع اخرى بعد ان تبينت الجدوى من الاضراب كوسيلة ناجعة لتحقيق المطالب. في نفس الوقت تراجع النظام عن تحقيق مطالب مهمة، مما دعا العمال لاستئناف الاضراب في ديسمبر 2007 هذه المرة بقوة اكبر شارك فيها 27 الف عامل.

في اضراب 6 ابريل أعاد العمال وضع مطالبهم وفي رأسها: رفع الحد الادنى للاجور الى 1200 جنيه مصري، علما ان الحد الادنى الرسمي يبلغ 35 جنيه يصل مع العلاوات الاجتماعية الى 100-300 جنيه حسب الاقدمية ومع ساعات عمل يمكن ان تصل الى 18 ساعة يوميا. ويذكر ان الجنيه فقد 60% من قيمته بسبب الاسعار، وتدعي الحكومة فقدانه 30% وهو على كل حال رقم مذهل؛ زيادة بدل الوجبة الغذائية، صرف نسبة من ارباح الشركة لحساب العمال واعادة النظر في اللجنة العمالية المنتخبة زورا والمطالبة بحرية التنظيم النقابي.

مطالب العمال المحتجة على الاجور المتدنية، وعلى الفجوة المخيفة بين الاجور وبين القدرة الشرائية في ظل الارتفاع الخطير للاسعار، لاقت صدى كبيرا في الشارع المصري. فقد اندلعت في نفس الوقت "ازمة الخبز" بسبب المضاربة بالسلع الاساسية التي فجرت الازمة الاقتصادية العالمية الاخيرة.

امين عام حزب "التجمع" في القاهرة، طلال شكري، عضو "اللجنة التنسيقية للحريات النقابية والعمالية" الذي التقيناه في زيارتنا للقاهرة بين 24-27 ابريل، وصف متضرري ازمة الخبز بانهم "حزب ربات البيوت" اللواتي يتعاملن يوميا مع مسؤوليات الاسرة، ويحصلن على مبلغ بسيط لا يتناسب مع ارتفاع الاسعار: "انهن في صراع يومي، وازمة "العيش" الذي كان يباع بخمسة قروش صار اليوم يباع ب25 قرشا. هناك مشكلة تهريب الدقيق، والمخبز يقفل ابوابه مبكرا، حجم الرغيف صغر، وحتى الرغيف الاسود زاد ثمنه، بلطجيون يتنافسون في طوابير الخبز لسرقته وبيعه في السوق السوداء".

شباب الانترنت على موقع "الفيسبوك" تلقفوا دعوة العمال للاضراب، ودعوا الجمهور المصري العام الى حملة "خليك في البيت" تضامنا مع عمال المحلة. وعن هؤلاء قال لنا شكري: "انهم شباب جريئون، ومع انهم بلا انتماء سياسي، الا ان ما يجمعهم هو السخط على الاوضاع، على البطالة، مشاكل السكن، الفساد، الاستغلال، وانعدام الامل لديهم في الزواج وبناء اسر جديدة بسبب الاوضاع الاقتصادية". هذا ما يفسر التغطية الاعلامية الضخمة للاحداث الاخيرة.

سعت قوى سياسية مختلفة لركوب موجة الاضراب ومنها كفاية التي نادت الى وقفات احتجاجية في مواقع مختلفة من مصر كما نادت للاضراب العام، وحزب العمل الاسلامي الذي نادى للعصيان المدني.

وقد تحفظ عمال المصنع على هذه الدعوات واعتبروها غير ناضجة ومسيئة للاضراب. اما النظام المصري فقد استغل هذه الدعوات كذريعة لقمع الاضراب بالقوة. وفي الواقع، الامر الذي اخاف النظام واقلقه كان مطلب رفع الحد الادنى للاجور. فهذا بلا شك مطلب سياسي خطير بالنسبة للنظام. اذ انه لا يخص عمال المحلة فقط، بل يعني كل عمال القطاع العام في مصر.

يشغّل القطاع العام اليوم نحو 400 الف عامل من اصل 6 ملايين من القوى العاملة في القطاع، وهم ثُلث القوى العاملة في مصر. وقد انخفض عدد عمال القطاع العام بحدة في اعقاب اتباع سياسة الخصخصة منذ اواسط التسعينات.

رد فعل النظام المصري على الاضراب كان عنيفا جدا. فقد احتل الامن مصنع الغزل في المحلة قبل عدة ايام من اليوم المخطط، وقمعوا القيادات العمالية واشتروا بعضها، وعرضوا في نفس الوقت بعض الاستجابة للمطالب. في هذه الظروف اضطر العمال لارجاء الاضراب. في يوم 6 ابريل انتشر نحو مليون ونصف المليون من قوى الامن في المحلة والقاهرة ومحافظات مختلفة اخرى، استعدادا لقمع اي تحرك احتجاجي.

رغم قمع الاضراب في مصنع المحلة ومصانع اخرى (ما عدا مصنعين)، الا ان الاجواء العامة التي مهدت للاضراب، والوضع المعيشي العصيب الذي يعانيه الاهالي لم تمنع الاشتباك العنيف الدموي الذي وقع بين اهالي المحلة، طوابير الخبز، الشباب العاطلين عن العمل، بالاضافة لشباب سياسيين متضامنين. وقد ادخل الامن فرق "البلطجية" لاثارة الشغب والتخريب لاعطاء حجة للشرطة للقيام باعتدائها على المدنيين. وقد استشهد في الاحداث ثلاثة شباب كما اصيب العشرات واعتقل المئات.

بعد ان هدأت الاحداث حتى حين، اضطر النظام المصري للتجاوب مع الوضع. فخرج في يوم الاول من ايار ليعلن عن علاوة في الاجور بقيمة 30%. واضطر النظام المصري لتغيير خطابه والخروج لوسائل الاعلام ليعلل الوضع الاقتصادي ويروج لاهمية الخصخصة كوسيلة وحيدة لانعاش الاقتصاد المصري وفتح اماكن العمل.

الكل يدرك ان هذه هي محاولات لاطفاء النار دون حلها جذريا، وطالما يتواصل تطبيق الخصخصة بكل هذا العنف، فان الازمة ستبقى مشتعلة، و6 ابريل لن تكون النهاية.

اضف تعليقًا

ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.

الاسم

البريد الالكتروني

العنوان

موضوع التعقيب

تعليقك على الموضوع

Home نسخة للطباعة