كلمات للبحث

الاستيطان, سلام الآن

شؤون اسرائيلية

"من الصعب تجنيد الجماهير من اجل السلام"

اسماء اغبارية-زحالقة

حوار مع نوعا ابشتين، مركّزة نشاطات حركة "سلام الآن" بمنطقة المركز:

نوعا ابشتين، حركة "سلام الآن"

الصبّار: حدثينا باختصار عن حركة سلام الآن، متى تأسست، اهدافها وسبل تحقيقها؟

نوعا ابشتين: حركة "سلام الآن" هي اكبر حركة سلام غير برلمانية في البلاد، اقيمت عام 1978 من قبل ضباط في الاحتياط للضغط على حكومة بيغين لعقد اتفاق سلام مع مصر. منذ ذلك الحين مرت الحركة بتغييرات عديدة وكانت الذروة في عام 1982 بعد مذبحة صبرا وشاتيلا عندما نجحت في تنظيم مظاهرة ال400 الف التي دعت للانسحاب من لبنان.

تسعى الحركة للضغط على الحكومة واقناع الرأي العام الاسرائيلي بعقد اتفاقات سلام مماثلة مع الفلسطينيين وبقية الدول العربية، وهي مكونة اليوم بالاساس من عناصر حزب ميرتس. لتحقيق الهدف ننظم المظاهرات والمراسلات الاحتجاجية، ننظم جولات للاسرائيليين في المناطق المحتلة لكشف الوجه الحقيقي للاحتلال والاستيطان. بمساعدة طاقم من آلاف المتطوعين نقوم ببرنامج لمراقبة البناء في المستوطنات ونصدر تقارير بهذا الصدد بهدف الضغط السياسي والاعلامي على الحكومة. واخيرا هناك المسار القضائي والتوجه لمحكمة العدل العليا، وتمثيل المواطنين الفلسطينيين ضد مصادرة اراضيهم، هكذا مثلا نجحنا في الضغط لاخلاء مستوطنة عمونا.

ولكن ألم يعد المستوطنون الى هناك؟

ابشتين: ربما نعم، ولكن ليس الى نفس المستوطنة. كذلك الحال في مستوطنة مجرون، الحكومة تدعي انها تريد الاخلاء، ولكنها عمليا تقترح صفقة دائرية، يتم من خلالها توطين المستوطنين على التلة المجاورة. الحكومة تظن ان الناس اغبياء.

الآن نركز على الوضع بعد قمة انابوليس، ونهدف من خلال تقاريرنا ان نكشف ان عملية البناء والاستيطان مستمرة، رغم القمة وخلافا لالتزامات الحكومة.

ما هي الرؤية السياسية لحركتكم؟

ابشتين: نحن مع دولتين لشعبين، دولة فلسطينية ذات سيادة الى جانب دولة اسرائيل. الوضع المثالي هو اقامة دولتين حول الخط الاخضر، ولكننا لا نصر على هذا الحد، ونقبل اي اتفاق يوافق عليه الطرفان.

واضح ان المستوطنات هي العقبة الاساسية امام تحقيق هذا التصور، لانها لا تسمح بتواصل جغرافي فلسطيني وتكرس الاحتلال، وتضطر الجيش الاسرائيلي للبقاء هناك من اجل حماية 270 الف مستوطن. ولذلك فنضالنا الاساسي هو ضد المستوطنات، والخروج ضد كل بؤرة وضد كل كرافان تتم اقامته.

على هذا الاساس قامت "سلام الآن" وكانت تنجح في الماضي في تحريك الآلاف على كل كبيرة وصغيرة. اليوم هناك نوع من التعب والتراخي في الحركة الجماهيرية، ويأس من عدم حدوث تغيير، اذ لم يتم ازالة بؤرة استيطانية واحدة منذ انابوليس رغم كل الوعود. ولكن سياستنا تبقى الخروج من المناطق المحتلة باتفاق يضمن اخلاء كل المستوطنات وانسحاب الجيش وخلق حد واضح ومتفق عليه بين الدولتين.

ولكن ماذا تقولين في وعد بوش لشارون الذي يسمح له بضم الكتل الاستيطانية (مثل معاليه ادوميم وغوش عتصيون) لاسرائيل مقابل اقامة دولة فلسطينية على ما تبقى من الارض؟ هل يسمح بقاء الكتل بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة في رأيك؟

ابشتين: واضح تماما انه ليس بالامكان اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة مع بقاء معاليه ادوميم وغوش عتصيون. هذا ليس منطقيا. الالتفاف الذي سيضطر الفلسطينيون للقيام به للوصول من بيت لحم الى رام الله سيكون غير معقول بالمرة. كما ان الفلسطينيين لن يوافقوا على ذلك.

الكل يدرك ان الحل المقبول دوليا هو الخط الاخضر، ولكن المشكلة ان اسرائيل تقول في المفاوضات انه ليس بالامكان اقناع الاسرائيليين باخلاء معاليه ادوميم لانها ليست غزة، فالناس لا يدركون انها اصلا مستوطنة بسبب قربها الشديد من القدس. اعتقد ان هذا موقف غير سليم، اذ لا فرق جوهريا بين مستوطنة ومستوطنة.

من جهة اخرى، كانت هناك مبادرة جنيف عام 2003 التي اقترحت حلا على اساس تبادل اراض. وقد قبل الجانب الفلسطيني بضم معاليه ادوميم لاسرائيل مقابل اعلان القدس عاصمة فلسطينية. ترتيب كهذا مقبول علينا، ولا بد من الوصول الى تسوية حيث يمكن ذلك خاصة قرب الحدود.

ما الحل بالنسبة للقدس؟

ابشتين: نحن ننادي بعاصمتين لشعبين، دون هذا لن يكون اتفاق.

حسب خط ال67؟

ابشتين: هذه مشكلة كبيرة. احياء مثل غيلو اقيمت شرقي الخط وليس هناك امكانية ان يتم اخلاؤها، الناس لا يعون انها مستوطنة اصلا. اما مستوطنات مثل جعفات زئيف، نيفيه يعقوب وكل ما تم بناؤه مؤخرا فهو بالتأكيد لا يساعد في الوصول لحل. يجب الوصول الى تسوية خاصة، فالقدس ليست برلين ولا يمكن تقسيمها لقسمين بجدار. هناك امكانية ان يتم تدويلها مثلا، مع الابقاء على الرموز المهمة لكلا الشعبين كبرلمان لكل شعب مثلا. بالنسبة للاماكن المقدسة يجب ان تبقى محايدة ودون رموز سيادية لاي من الشعبين، وان يسمح بممارسة العبادات فيها بحرية.

ما موقفكم بالنسبة للجدار الفاصل؟

ابشتين: نقطة الانطلاق ان لاسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وقد اقيم السور في زمن العمليات الانتحارية. كما اننا لا نعارض مبدأ الفصل، اي قيام دولتين يفصلهما حد واضح. ولكننا نعترض على مسار السور. هدف حكومة اسرائيل من وراء السور هو الاستيلاء على اكبر نسبة من الاراضي مع اقل عدد من الفلسطينيين، لذلك نقول ان السور هو سياسي، نعارضه ونتوجه لمحكمة العدل العليا لتغيير مساره. طبيعي انه في وضع مثالي كان الافضل لو استثمرت الاموال الطائلة في تقريب وجهات النظر بين الشعبين والعمل المشترك من اجل السلام وليس لبناء هذه الاسوار البشعة التي تفصل بين الناس.

هل تعتقدين ان الابارتهايد الذي يحذر منه اولمرت هو سيناريو وارد؟

ابشتين: اذا لم نقم بالخطوة المطلوبة لازالة المستوطنات، فهذا السيناريو وارد جدا. هناك امكانيتين اما الابارتهايد الرسمي لمدة زمنية معينة حتى يتم الضغط الخارجي على اسرائيل لدرجة لا يمكن مواصلة الابارتهايد، كما كان الحال في جنوب افريقيا. السيناريو الثاني هو قيام دولة ثنائية القومية، وهذا امر لن ينجح لان الطرف القوي اي اسرائيل هو الذي سيسيطر، كما ان كلا الجانبين سيرفضان العيش تحت سلطة الطرف الآخر. اخشى ان يفوتنا الوقت، وان كل يوم يمر تصبح خطوة تفكيك المستوطنات اصعب واكثر تكلفة، ولكني لا ازال مؤمنة بان الامر ممكن.

اذا كانت اسرائيل تدرك ان قيام دولة فلسطينية هو من مصلحتها، ما الذي يمنع التنفيذ اذن؟

ابشتين: بالنسبة للاسرائيليين هناك ادراك بان الحفاظ على دولة يهودية ديمقراطية يتطلب الحفاظ على اغلبية يهودية، وهذا يحتّم الانفصال الجغرافي والسياسي عن الفلسطينيين وخلق حد فاصل على اساس تسوية تاريخية. ولكن من حديثي مع الناس في اسرائيل، هناك دائما نفس الخوف ومقولات مثل - اذا اعطيناهم الضفة وغزة سيطلبون يافا وحيفا. هذا ما اسمعه في اوساط المركز واليمين، وهم الاغلبية الساحقة اليوم. هناك خوف ان تقوم دولة غريللا الى جانبهم، وهذا يشير الى جهل الجمهور الاسرائيلي بتفاصيل المفاوضات، اذ ان الحديث يدور عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح، كما في اتفاق نسيبة-ايالون.

العقبة الثانية هي الانفصال عن غزة، وما تبعه من صواريخ على سديروت. هذه تجربة سيئة تزيد تمسك الناس بالمواقف المتطرفة. اليسار له مواقف مركبة كالعادة، فيحاول ان يفسر ان الصواريخ نابعة من اننا لم ننفصل تماما وبقي لنا وجود عسكري، واننا خرجنا بلا اتفاق دون ان نطلب شيئا بالمقابل.

المستوطنون هم عقبة ايضا، فقد بنوا قوة سياسية في السنوات الاخيرة، وباتوا يسيطرون على الرأي العام من خلال تغلغلهم داخل الجيش ومؤسسات الدولة، ولكنهم ليسوا العقبة المركزية.

العالم اليوم بما في ذلك الرئيس جورج بوش، يتبنى برنامجكم دولتين لشعبين، ولكن ما نشهده على ارض الواقع هو خطوات عكسية، وتراجع في قوة اليسار بشكل عام. كيف تفسرين ذلك؟

ابشتين: الحكومة تتبنى احيانا خطاب حركة "سلام الآن"، كان هذا واضحا عندما عاد رئيس الوزراء، ايهود اولمرت، من قمة انابوليس وصرح ان اسرائيل ستقوم بتسوية تاريخية و"تنازلات مؤلمة". المشكلة ان حكومة اولمرت منافقة، اذ انها على ارض الواقع تطبق سياسة بنيامين نتانياهو. تتفاوض مع ابو مازن ولكنها تواصل بناء المستوطنات. كل الحكومات في اسرائيل تعرف الحل وضرورة اقامة دولتين، ولكنها تفعل المستحيل كيلا تصل الى هذه النقطة.

كيف يؤثر هذا الوضع على حركتكم؟

ابشتين: كون الحكومة تتحدث بخطاب سلامي، يضعف حركتنا، يخلق ارباكا وبلبلة ويعيق امكانيتنا تجنيد الناس ضد سياستها. فمن الصعب الادعاء ان الحكومة ترفض السلام، لانها للوهلة الاولى تتفاوض، مع ان الجميع يفهم ان هذا كذب كبير وان الحكومة تستغل المفاوضات كمناورات من اجل بقائها السياسي وليس للوصول الى حل.

سبب آخر مهم هو ان الناس فقدوا الثقة تماما بالسياسة والسياسيين بسبب الكذب والوعود التي لا تتحقق. اليسار في اسرائيل يرى انه يتظاهر منذ 30 عاما بنفس اللافتات والشعارات ولكن لا شيء يتغير، بالعكس الاستيطان يتوسع، حتى استنزفت قوى اليسار.

ما اسباب تراجع قوة اليسار، وكيف تفسرين اختفاء حركة سلام الآن من الشوارع؟

ابشتين: احيانا انظر بحنين للماضي عندما كانت اصغر مظاهرة ننظمها تشمل 3000 متظاهر. اما اليوم فمن الصعب جدا تجنيد الجماهير مع ان الوضع يزداد سوءا. اليوم نضطر للاكتفاء بستة متفرغين الى جانب جهاز كبير من آلاف المتطوعين خاصة الجامعيين. في الماضي كانت لنا حركة شبيبة، ولكنها اغلقت منذ انتفاضة عام 2000 وتراجع الدعم المالي لحركتنا وتقلص امكانية التحرك في ظل الوضع المتردي. كان هذا الوضع نابعا من يأس عام في اوساط اليسار الذي خابت آماله التي خلقها اتفاق اوسلو، فكان الانهيار كبيرا شمل كل اوساط اليسار والسلام في اسرائيل.

شخصيات مركزية في الحركة تفسر التراجع بان الحركة نجحت في التحول الى حركة جماهيرية في مراحل تاريخية معينة قسمت الجمهور بوضوح الى فريقين مؤيد ومعارض، مثلا الاتفاق مع مصر، واخيرا الانفصال عن غزة اذ نجحنا بتجنيد 150 الفا لدعم الانفصال.

هل دعمتم الانفصال الاحادي الجانب عن غزة؟

ابشتين: عارضنا الخطوة الاحادية الجانب، ولكننا دعمنا الخروج من غزة. الانسحاب أدخل غزة الى هاوية اعمق مما كانت فيها، اضعف ابو مازن وقوى حماس، واسرائيل تلقت صواريخ القسام. صحيح ان المدنيين خرجوا من غزة، ولكننا لا نزال هناك عسكريا، سواء من خلال السيطرة على الجو والبحر وعمليات التوغل العسكرية. مع كل هذا لم يكن من المعقول ان نعارض قرار الحكومة تفكيك المستوطنات في غزة، وكانت لنا نقاشات ساخنة في الموضوع بالنسبة لمبدأ الانفصال دون اتفاق. وكان موقفنا ضرورة الخروج مع مواصلة التفاوض والنداء للخروج باتفاق. بعد الانفصال انتهت المراحل التاريخية، وحلت محلها المناورات السياسية.

انابوليس في رأيك كانت مجرد مناورة؟

ابشتين: نعم. في البداية ظننا ان هذا افضل الخيارات، فخرجنا بحملة لدعم المفاوضات، ولكن رأينا ان الناس لا تتجند ولا تصدق القيادة.

هناك ايضا عوامل اجتماعية واقتصادية لتراجع اليسار، منها انشغال الناس اكثر بهموم يومها ومعيشتها، وخاصة الطلاب الجامعيين، ولا تخصص من وقتها للتظاهر ضد الاستيطان.

هل توافقين على ان الانتفاضة الثانية زادت في تراجع اليسار الاسرائيلي؟

ابشتين: هذا ربما السبب الاقوى على المستوى السياسي لعدم تحرك الجماهير. الانتفاضة جاءت بعد عشرة اعوام من الآمال بان الامور تسير باتجاه الحل. لم يعرف الجمهور ان هذا ايضا كان كذبا، وان رابين واصل بناء المستوطنات حتى في زمن اوسلو، وعرفات من جانبه واصل تمويل العمليات ضد اسرائيل. الانتفاضة كانت صفعة لمعسكر السلام الاسرائيلي.

الضرر الاكبر الحقه بنا ايهود براك الذي اعلن بعد فشل كامب ديفيد عدم وجود شريك فلسطيني للمفاوضات، بينما في الشارع الاسرائيلي ظنوا خطأً انه اعطى الفلسطينيين كل شيء، ونحن نستطيع ان نثبت ان هذا لم يكن صحيحا. ولكن هذا ما دخل الوعي الجماهيري في اسرائيل، مما يصعب علينا ان نقنع احدا بدعم معسكر السلام وامكانية الوصول الى حل. براك اخصى معسكر السلام تماما.

زمن المظاهرات ضد لبنان كان حزب العمل العمود الفقري للحركة واليوم ميرتس، وهو حزب قوته في تراجع مستمر. هل تجرون عملية اعادة الحسابات؟

ابشتين: لا نريد التحول لحركة متطرفة ومعزولة، بل نريد ان نؤثر على التيار المركزي مما يضطرنا الى "إخصاء" مواقفنا. من جهة اخرى، لو تظاهرنا يوميا من اجل اخلاء معاليه ادوميم، فهذا لن يؤدي لنتيجة لان هذا ضد الاجماع.

كيف تؤثرون فعليا، اذا كانت الحكومة تتجاهل تقاريركم وتواصل البناء؟

ابشتين: هذا محبط جدا. التغيير ممكن فقط اذا جندنا الجماهير، وهذا صعب اليوم. ولكن ما نقوم به مهم على المدى البعيد، كما انه من المهم ان يكون هناك طرف له موقف بديل للموقف اليميني، يعمل لتغيير الوعي الجماهيري والتأثير على الرأي العام. تحريك الجماهير ممكن اذا كان شيء حقيقي مطروح على جدول البحث، وهذا غير وارد حاليا.

اضف تعليقًا

ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.

الاسم

البريد الالكتروني

العنوان

موضوع التعقيب

تعليقك على الموضوع

Home نسخة للطباعة