كلمات للبحث

سينما, نساء


العدد ٢١١, تشرين اول ٢٠٠٧

ثقافة

باب الحارة: حنين الى قيم غابت

حنان زعبي

تمثيل: بسام كوسا، عباس النوري، عبد الرحمن آل رشي، سليم كلاس، سامر المصري، رفيق سبيعي، صباح الجزائري، ميلاد يوسف، وفاء موصللي وغيرهم.
كاتب النص: محمد مروان قاووق.
إخراج: بسام الملا.

ما ان كانت تدق الساعة الثامنة من كل امسية رمضانية، حتى ترى شوارع المدن والقرى العربية في البلاد قد خلت تماما من المارة ومن السيارات. حتى ان بعض الحوانيت كانت تغلق ابوابها. لم يكن هدف الجموع الوصول للمساجد لاداء صلاة التراويح، بل ان ائمة المساجد طولبوا بتقصيرها، بهدف الوصول الى "باب الحارة". هكذا تحلق الجميع، شبابا وشيوخا، نساء ورجالا، كبارا وصغارا، في المقاهي وفي البيوت حول شاشات التلفزيون، لمشاهدة الجزء الثاني من المسلسل السوري، الاشهر على الاطلاق. وما ان تبدأ المقدمة الموسيقية معلنة بداية المسلسل حتى لا تكاد تسمع نفسا واحدا. صمت. كان هذا حال المشاهد العربي في شهر رمضان الفائت. ليس في بلادنا فقط، بل في العالم العربي برمّته.

دراما اجتماعية شامية تدور احداثها في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، في حارة دمشقية تدعى "حارة الضبع". الحارة الدمشقية تتيح لنا رصد الحياة الدمشقية القديمة ببساطتها، بعاداتها وتقاليدها، بخيرها وشرها. تنكشف امامنا جوانب اجتماعية وسياسية مهمة، مثل التكافل الاجتماعي، صلة الرحم وانتصار الخير على الشر، ولكن تظهر ايضا مظاهر القمع، قمع الرجل للمرأة، وقمع الاب للابن، كل هذا في ظل قمع الانتداب الفرنسي للسوريين جميعا.

يعتبر هذا العمل تتمة لاعمال المخرج بسام الملا، الذي يبدو وكأنه تخصص في الاعمال التراثية عن الحارات الشامية، منها "ليالي الصالحية". وهو يبرز الاكسسوارات والملابس وديكورات الحارات القديمة، حتى انه يهتم بابراز المأكولات الشامية المميزة.

الاهتمام الجارف بالمسلسل دفع حتى الصحافة الاسرائيلية لفحص الظاهرة. صحيفة "هآرتس" نشرت تقريرا على صفحتها الرئيسية (8/10)، اعده الصحافي يوآف شطيرن، استنتج فيه ان المسلسل اعاد العادات والتقاليد العربية للسكان الفلسطينيين رغم مرور 60 عاما من الحكم الاسرائيلي عليهم، مشيرا ان "المسلسل السوري فرصة ليستعيد عرب اسرائيل عمقهم وتقاليدهم العربية ويطلوا عليها من جديد".

حول تأثير المسلسل على الحياة اليومية، قالت للصبّار موجِّهة المجموعات، جائدة زعبي من الناصرة: "اثناء عملي في المدارس كانت تُعاد امامي كل يوم حلقات المسلسل ولكن بأبطال مختلفين. الاطفال في ساحة المدرسة يقلدون بطل المسلسل معتز، ويحملون العصا كما يحملها، يضربون بعضهم بالطريقة التي يتعارك بها شباب باب الحارة. حتى انهم صاروا ينادون بعضهم البعض باسماء شخصيات المسلسل. الغريب في هذا المسلسل انه جمع كل الاجيال امام الشاشة الصغيرة كل مساء، والتقت الشرائح البسيطة مع الشريحة المثقفة، وهو امر لم نشهده من قبل".

حنين لقيادة

كل شيء في هذه الدراما يقوم وينطلق من الباب ودوره. وليس القصد فقط الباب الفعلي الذي يحمي الحارة واهلها من المتطفلين واللصوص، بل كانت هناك ابواب من نوع آخر.

يقرر "العقيد"، وهو لقب "القبضاي" الذي يقوم مقام الزعيم بعد مقتل الأخير في ظروف غامضة، ان يبقي باب الحارة مفتوحًا كحيلة منه للقبض على القاتل. لكن فتح الباب الكبير ادخل الحارة الى اضطراب، فمن خلاله جاء الحدث الدرامي الاهم في هذا المسلسل، وهو تسرع ابو عصام في الطلاق من زوجته بسبب كلمة قالتها خدشت رجولته. تدخّل عناصر حاقدة مثل ابو غالب الذي جاء من حارة ابو النار، او فريال بنت الحارة نفسها، فاقمت الاحداث حتى جرّت على البطل مصائب وويلات زعزعت احترام الحارة له.

من خلال هذه القصة تنكشف العادات السلبية مثل القيل والقال، السنة الجيران التي لا ترحم وتدخّلهم في كل كبيرة وصغيرة، الحقد والرغبة بالانتقام. كل هذا يزداد حدة على ضوء غياب "العقيد"، رئيس الحارة. فالعقيد هو المرجعية التي تختزل تقريبا جميع انواع السلطات داخل الحارة، السياسية والاخلاقية والامنية والاقتصادية والذكورية. لا شك ان الاحساس بالامان الذي يعود للحارة بعودة العقيد ابو شهاب، وبداية حل العقد الكثيرة التي تراكمت بغيابه، هو من اكثر الامور التي تماثل معها المشاهد العربي الذي يفتقد القيادة في كل المستويات، المحلية والقطرية، الاجتماعية والسياسية.

ولكن ليس دور العقيد وحده الذي يحظى بمكانة في القصة، بل ايضا دور الصبر، الحِلم وكظم الغيظ الذي ابداه ابو عصام المنكوب، تجاه كل من اساؤوا اليه. ابو عصام هو النموذج لشيَم العرب التي انقرضت منذ زمن. تحملت الحارة كلها الويلات بصبر، مؤمنةً بان بكلمات الاغنية "النذل بيزرع فتنة بيحصد شر النذالة، والعدل بيرجع للي عنده حكمة وأصالة"، وبالفعل تنتهي الدراما الى نهاية سعيدة، لدرجة الخيال المبالغ به، وفيها يأخذ كل ذي حق حقه، ويسود العدل والسلام ويتم طرد المتطفل الخارجي، ويغلق الباب على اهله ليعود لهم الامن والوفاق.

وحين يقول غالبية من تحدثنا اليهم من المشاهدين ان اكثر ما يعجبهم في المسلسل هو "جو الحارة الشعبي"، فانه يضع على الارجح هذه الحارة المتخيلة بقيمها في مواجهة الحاضر بمدنيته وعصريته وتناقضاته القاسية، والتي يصعب على معظم العرب الاندماج فيها. ولا يبدو هذا الاعجاب الكبير بطقوس "باب الحارة"، حارة الماضي، الا من قبيل اقامة باب جديد بين المشاهد العربي وبين نفسه، يحجب عنه واقعه، ويساعده على الهروب حتى لا يضطر لمواجهة جميع ابواب العالم العصري الموصدة امامه.

بالنسبة لاقبال الجمهور العربي على مشاهدة المسلسل، تقول موجهة مجموعات نسائية من باقة الغربية، سمية شرقاوي: "انه ناجم عن حنين لحياة البساطة ولقيم انقرضت في ايامنا، كالعدل والحق وصلة الرحم وطبيعة الناس التي لا تسكت على الظلم. وكأن الجمهور من خلال متابعته لحلقات المسلسل يبحث عن حلقة مفقودة تضم هذه القيم".

حول دور المرأة

باب آخر في المسلسل هو الحجاب والبرقع اللذين يفصلان المرأة عن محيطها، وهو من اهم الابواب التي يركز عليها المسلسل واكثرها خصوصية. المرأة نفسها تصبح بابا يحمل الرجل مفتاحه، ويسعى باستمرار لاغلاقه بشكل محكم عن العالم الخارجي. وهي صورة تغازل الخيال الشعبي الذكوري العربي الراهن، اذ تمتدح صورة مشتهاة وهي صورة الرجل القوي، المناضل مع الثوار، صاحب الكلمة المسموعة، ومن جهة اخرى صورة المرأة الذليلة، المطيعة طاعة عمياء لزوجها او لابيها. وهو امر تزعزع مع السنين، مع احتفاظ الرجل بدوره المهيمن على نطاق واسع.

كان امرا لافتا سهولة طلاق النساء، فبعدما رمى ابو عصام على زوجته يمين الطلاق، واذا بنا امام تسونامي طلاق يجتاح الحارة، ويقلب حياة رجالها ونسائها رأسا على عقب. سوى مشهد وحيد لنساء الحارة متجمعات عند ام عصام، وبعض عبارات هنا وهناك، لم يُظهر باب الحارة وجها او شخصية نسائية حكيمة وذات مكانة، بل ظهرت المرأة ثرثارة وصاحبة فتن، لا تؤتمن على سر، محكومة ومأمورة، من زوجها وأخيها وأبيها.

أمين طيارة (30 عاما) من اشد المعجبين بالمسلسل، ويتمنى العودة الى ذلك الزمن حيث تحترم الزوجة زوجها، يقول: "اكثر ما اعجبني في المسلسل انه عكس بشكل جيد العلاقات العائلية من حميمية واحترام، سواء كل من المرأة لزوجها او احترام الابن لوالده والذي للاسف اليوم نفتقده".

وهناك ايضا من ينتقد. الموجهة سمية شرقاوي قالت للصبّار: "لا اجد الرسالة وراء المسلسل، وذلك لان الالغاء المطلق لوجود المرأة كعنصر فعّال في المجتمع كان بارزا. انني اعرف رجالا من حولي بدؤوا يقلّدون في تعاملهم مع زوجاتهم ما يرونه في المسلسل. ان الغاء اي دور للمرأة مُبالغ به، وضعها حتى في تلك الفترة لم يكن بالحدّة التي يصورها".

في هذا الموضوع بالضبط تحدث بطل المسلسل الفنان عباس النوري (ابو عصام)، للصحافي فادي زغايرة من صحيفة "الصنّارة" المحلية (5/10) فقال: "المسلسل رسم كاريكاتوري يختزل شيئا بسيطا من حالة العرب. العقل العربي ما زال عقلا متخلفا... تسلط الرجل على المرأة... في عام 2007 اكثر بكثير مما مضى. المرأة الى حد الآن في بعض الدول العربية ممنوعة من قيادة السيارات، ممنوعة من ان ترتدي ما تشاء، ممنوعة من ان تدلي برأيها".

ان رد فعل الجماهير العربية في اسرائيل على هذا المسلسل، وحنينهم لماضي اوائل القرن الماضي يدل على عمق الازمة التي يعيشونها في الحاضر. ان الرغبة للعودة بالتاريخ الى ايام زمان، تُظهر بالفعل عجزنا عن التأقلم والتكيف مع قيم العصر والحداثة، ومواكبة العولمة. فلا نحن قادرون على الرجوع للوراء واعادة انتاج قيم هذا الماضي، ولا نحن قادرون على استنباط قيم وعلاقات جديدة تضعنا على اعتاب العولمة والعصرنة. ومن هنا نجد مجتمعنا العربي يغوص في بحر من الضياع والتشتت بين ماض غابر لا يعود ومستقبل ضاغط لا يرحم. "end"

اضف تعليقًا

ادخل تعقيبك هنا.
طاقم تحرير المجلة سيقوم بقراءة تعقيبك ونشره في اسرع وقت.

الاسم

البريد الالكتروني

العنوان

موضوع التعقيب

تعليقك على الموضوع

السابق

"عن معتز"

نور عبد الرضا 102030
قانا الخشنة
نشر بتاريخ ١٠.٠٧.٢٠٠٨, ٢٣:٠٠

معتز اجمل ممسل سورى عرفه العرب فى لبنان

"جيدا"

محمد سمحات لايوجد
حيحي السالم
نشر بتاريخ ٠٥.٠٥.٢٠٠٨, ١١:١١

اللهم

" مسلسل باب الحارة"

سوبة abdalsalam
ليبيا
نشر بتاريخ ٠٨.٠٣.٢٠٠٨, ١٤:٤٣

بصراحة مسلسل جميل و فيه شغل هلبة و نتمنا يستمر النجاح في كل أجزئه ولكن هاالشخصيات غابت عن مجتمعتنا العربية و الكل توا مبهور فيها و يتمنا يشوف غيرة معتز و قوة أبو شهاب و صبر و حكمة أبو عصام

Home نسخة للطباعة